منتديات جيل المستقبل
[ ]المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام 181
[center]السلام عليكم / عزيزي الزائر :انت غيرمسجل لدينا في حال رغبتم بالإنضمام إلى أسرتنا ينبغي عليكم ،التسجيل أولآ

منتديات جيل المستقبل
[ ]المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام 181
[center]السلام عليكم / عزيزي الزائر :انت غيرمسجل لدينا في حال رغبتم بالإنضمام إلى أسرتنا ينبغي عليكم ،التسجيل أولآ

منتديات جيل المستقبل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات جيل المستقبل

ادب- شعر- قصص وروايات- صحة وطب وجمال-ازياء-ديكور-تربويات-العاب وتسالي- افلام- صور جمييلات - صورفنانات ومشاهير
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
دخول
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 43 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 43 زائر

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 242 بتاريخ الثلاثاء أكتوبر 25, 2011 5:43 pm
قائمة المنتديات







المواضيع الأخيرة
» موقع رائع يقدكم لكم جميع الاعلانات بيع و ايجار العقارات
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالسبت ديسمبر 28, 2019 8:29 pm من طرف algeriahome

» صور الامورة نرمين الفقي
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالإثنين يناير 30, 2017 2:56 pm من طرف Admin

» الدنيا كذبة
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالأربعاء يناير 25, 2017 7:47 am من طرف Admin

» Exll مذكرات التخرج في الهندسة الكهربائية
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالسبت يناير 21, 2017 5:04 pm من طرف Admin

» اهلا ومرحبا بكم في افضل موقع طبي 01067171515
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2015 4:08 pm من طرف انوش العاصي

» اهلا ومرحبا بكم في شركه الشهراني لتسليك المجاري وكشف تسربات المياه 0500063203
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2015 4:07 pm من طرف انوش العاصي

» مرحبا بكم فى شركة الواحة للنقل والتنظيف 0557740281
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2015 4:06 pm من طرف انوش العاصي

» اهلا بك في شركه القطحاني للنقل والتنظيف بالرياض 0558200168
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2015 4:04 pm من طرف انوش العاصي

» عزيزي العميل اهلا ومرحبا بك في شركه دار الخبره لكشف تسربات المياه بالرياض 0565090808
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2015 4:02 pm من طرف انوش العاصي

» اهلا ومرحبا بكم في في شركه البيت العالي للخدمات المنزليه بالرياض 0558163327
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالسبت مايو 16, 2015 3:55 pm من طرف انوش العاصي


 

 المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
المدير العام
المدير العام
Admin


mms المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Mms-6
علم الدولة : المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Dz10
المهنة : استاذ
ذكر
عدد الرسائل : 3792
العمل/الترفيه : موظف
الدولة : الجزائر
تاريخ التسجيل : 05/12/2008
نقاط : 6990

المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Empty
مُساهمةموضوع: المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام   المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 29, 2010 11:32 am

البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام

د. ناصر إبراهيم صالح النعيمي

رئيس قسم اللغة العربية وآدابها/ كلية أصول الدين الجامعية- أستاذ مساعد في جامعة البلقاء التطبيقية

مقدمة.

المدرسة اللسانية أو اللغوية هي مجموعة من المفاهيم يتبناها طائفة من اللغويين، وتجمعهم وجهة نظر واحدة ، ومنهج واحد في معالجة الظواهر اللغوية ، مهما اختلفت أوطانهم وجنسياتهم. فهم مجموعة من المهتمين تجمعهم وحدة فكرية ومنهجية في التعامل مع الظواهر اللغوية.

فأبناء المدرسة اللسانية الواحدة يلتفون ويتفقون حول أصول واحدة ، فيرسمون لأنفسهم منهجاً واحداً في دراسة أصول علم اللغة، و يطبقونه ويعملون على تطويره والدفاع عنه، مع بقاء هذه المدرسة مدة من الزمن. فهي نظرية أو إطار فكري عام معين يٌتخذ لمعالجة البحث اللغويّ. فلا تعد المدرسة مدرسة إلا إذا حددت رؤى و أهدافا ثابتة ، واتخذت لنفسها أصولا وأسسا مخصوصة ، ورسمت منهجا واضحا تسير عليه في معالجة المسائل والقضايا.

مفهوم البنيوية.

البنيوية اللغوية- في أساس مفهومها وأبسط صورة وأوجزها لهذا المفهوم – هي: منهج عام يأخذ اللغة على أنها (بناء) أو (هيكل)، أشبه شيء بالهيكل الهندسي المتشابكة وحداته ذات الاستقلال الداخلي، والتي تتحد قيمها بالعلاقات الداخلية بينها، وذلك بمعزل عن أية عناصر خارجية، كصاحب النص المنطوق أوالمكتوب، والسياق الخارجي أو غير اللغوي ؛ إذ إن هذين العنصرين ليسا من اختصاص علم اللغة في نظر البنيويين0



ومعنى ذلك أنّ تحليل أي نص لغوي يعتمد على نظرتين : هما استقلاليته عن أية ملابسات أو ظروف خارجية ، والثانية تشابك وحداته وترابطها فيما بينها داخليا.

وهكذا ، فان البنيوية اللغوية: نظرية علمية تقوم على سيطرة النظام اللغوي على عناصره، وتحرص على الطابع العضوي لشتى التغيرات التي تخضع لها اللغة.

ولادة البنيوية.

يعد القاضي ( جامبا نستافيكو) عام 1725م في كتابه (العلم الجديد) هو حامل فكرة البنيوية أو جرثومة البنيوية ؛ فهو يرى أنّ المجتمعات جلها هي التي تخلق نفسها أو ذاتها، بمعنى أنّ الشيء الواحد لا مكان له في الحياة إلا إذا وجد في مجموعة، وهذه المجموعات تشكل معا المجتمعات وليس المفردات. ثمّ نضجت فكرة البنيوية عند دي سوسير وتكاملت على يد براغ وبلومفيلد كما سيظهر لاحقا.

العوامل التي ساهمت في ظهور البنيوية :

لكل علم عوامله التي تساعد على ظهوره و نهوضه، ولظهور البنيوية العوامل الآتية::

العامل الأول: جاء كرد فعل على المنهج الذري الذي كان سائدا في بريطانيا بشكل خاصة وفي أوروبا بشكل عام. ( و المنهج الذري هو المنهج الذي ينظر إلى الأشياء كلها على أنها تراكمات أو تكتلات لعناصر مستقلة ). فاللغة على سبيل المثال هي ولادة تراكم وتجمع لعناصرها أو مستوياتها.

ومعنى ذلك أنّ البنيوية ترى أن معنى الجملة سابق لمعنى الكلمة، فليس للكلمة معنى أو قيمة وهي مستقلة إلا من خلال علاقاتها بغيرها أو وجودها في سياق. فمن خلال الجملة نفهم معنى الكلمة ويصبح لها قيمة و معنى.

أما العامل الثاني فجاء نتيجة التطور والتفكير والإدراك الذي حصل في العلوم الطبيعية ثم في العلوم الإنسانية. فلقد اقترن التيار البنيوي بأسلوب البحث في مختلف المعارف فلكل علم مادة، ولكل مادة بنية، ويكفي أن يحدد الباحث المتخصص هدفه في استكشاف خصائص بنية تلك المادة حتى يطلق على نفسه أو يطلق عليه الآخرون صفة الباحث البنيويّ، بل إنّ منهج البحث في حقل من المعارف إذا ارتسم لنفسه غاية الكشف عن العلاقات التي تنتظم بها الأجزاء ليتألف منها البناء الكلي ، تحتم إدراجه في فلك البنيوية0وهذا هو الذي سوّغ اكتساح موجة التيار البنيوي للعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية. ، فكل علم من العلوم لا بد من أن يكون بنيويا .وعلم اللغة كأحد هذه العلوم يسعى إلى استخلاص طابعه النسقي من خلال العلاقات القائمة بين عناصره ووحداته ، بمقتضى رابطة تماسك وتوقف.

ومما هيأ للمهنج البنيوي هذه السلطة العامل الثالث وهو ما وُفِّر للبنيوية من وسائل عملية عند استنطاق الظاهرة يجمع بين البساطة الظاهرة و الدقة المستترة . ومدار ذلك هو العملية المزدوجة التي تتراوح بين التفكيك والتركيب : تفكيك الأجزاء المكونة لمادة البحث ثم إعادة تركيبها بشكل يختلف عن الصورة التي جاءت عليها . على أن عملية إعادة التركيب ليست واحدة بالضرورة وإنما يمكن إن تتعدد وتتنوع فتفضي إلى هندسات معمارية جديدة للواقع المدروس .

والعامل الرابع الذي هيأ للبنيوية هذه الريادة المنهجية الموضوعية في الدرس فهو يتجاوز السبل الذاتية ومسالك الارتسام الوجداني بل وتتخطى كل التباس انطباعي ، أو تقويم معياري.

لهذه الحيثيات جميعا غدت البنيوية كالناطق الفريد باسم المنهج العلمي بين أترابها من المناهج الأخرى. ، ولعله ليس بعيدا عن الصواب القول: إنّ أول ما بوأ البنيوية هذه المنزلة أن مضمون أي علم من العلوم إن هو إلا نسيج من الدوال هي بمثابة العلامات أو الإشارات على مدلولات ومجموع القرائن الرابطة بين هذه وتلك يمثل بنية ذلك العلم . ولئن عولت البنيوية في كل ذلك على ما تم اشتقاقه من الظاهرة اللغوية في أول الأمر، فان الجدل الذي استمر حول علاقة اللسانيات بعلم العلامات أو الإشارات أيهما الأصل وأيهما الفرع قد جعلها تتسلل بين شقي الخلاف لتنفرد بطرافة هذا البديل العلامي الموحد بين مسالك الاستقراء العلمي .

وعليه، فقيمة الشيء _ من وجهة نظر البنيوية _ ليس بذاته بل بعلاقاته بغيره؛ فلو لم يكن الأمر كذلك لما اختلفت وجهات النظر في النص الواحد، وكانت النتيجة واحدة، في حين نجد للنص الواحد مجموعة نصوص تتشكل فيخرج لكل شخص نص مستقل مختلف عن غيره، وهذا دليل على أن الشيء ليس له قيمة بذاته بل قيمته بالعلاقات مع غيره: فالسمة الأساسية للبنيوية هو: الاهتمام بالعلاقات القائمة بين الأشياء والتي تبين من خلالها قيمة الشيء،، وعدم الاعتراف بالفردية والاستقلالية.

دور دي سوسير في ظهور المدرسة البنيوية.

لما كان فاردينان دي سوسير (1875-1913)
يلقي محاضراته في العلوم اللغوية على منابر جامعة جنيف بين سنة 1906 وسنة 1913 ، ما كان يظن أنه كان يرسي قواعد منهج معرفي ستتجاوز آثاره سياج العلم اللغوي فيكتسح علوم الإنسان غازياً إياها غزو المنتصرين بلا عناء كبير . وعلى الرغم من أن أهم أعمال "أستاذ اللغويات الكبير بجامعة جنيف" لم تنشر إلا بعد وفاته ، إذ قام بنشر محاضراته في علم اللغة بعض تلامذته( تشارلز وألبرت) عام 1916 ، بل وعلى الرغم من أن دي سوسير نفسه لم يستخدم كلمة "بنية" ، وإنما استخدم كلمة "نسق" أو "نظام" ، إلا أن الفضل الأكبر في ظهور المنهج البنيوي في دراسة الظاهرة اللغوية يرجع إليه هو أولاً وبالذات (6).

ولقد سيطرت أفكار هذا الأستاذ الكبير ممثلة بالمدرسة البنيوية التي أنشأ صرحها ، على البحث اللغوي في الأربعينيات من هذا القرن سيطرة بالغة ، حتى إنها جمعت حولها نفراً غير قليل من الدارسين في جميع أنحاء العالم ، وزحزحت المناهج اللغوية من مواقعها، وحاولت أن تحتل مكانها جميعا، وانتقل تأثيرها من الدرس اللغوي الصرف إلى ميدان الأدب ونقده، لدرجة أنها صارت الشغل الشاغل للأدباء والنقاد حتى أوائل السبعينيات

بلغت الدراسات اللغوية الحديثة والمعاصرة درجة من الدقة والضبط والموضوعية والشمول ما أتاح لها أن تتبوأ مكانا مرموقا بين فروع المعرفة الانسانية بل لقد أخذت هذه الدراسات زمام المبادرة في هدم الأسوار التي أقيمت بلا مبرر علمي واضح بين العلوم الإنسانية ،وهو ما عبر عنه بصدق "ليفي شتراوس" عالم الأنثروبولوجيا حين قال: إننا نجند أنفسنا إزاء علماء اللغة في وضع حرج فطوال سنوات متعددة كنا معهم جنبا إلى جنب وفجأة يبدو لنا أن اللغويين لم يعودوا معنا وإنما انتقلوا إلى الجانب الأخر من ذلك الحاجز الذي يفصل العلوم الطبيعية الدقيقة عن العلوم الإنسانية، والاجتماعية، والذي ظل الناس يعتقدون طويلا باستحالة عبوره.

وهكذا أحذ اللغويون يستغلون بتلك الطريقة المنضبطة التي تعودنا أن نعترف باستسلام أنها وقف على العلوم الطبيعية وحدها.

لقد كان دي سوسير الرائد في كثير من الأفكار اللغوية ، ومن أهم أفكاره النظرة "البنيوية" إلى اللغة وهذه النظرة لم تكن مستقلة عن أفكاره الأخرى، وبالأخص منها فكرتان، هما: "السنكرونية" أو (الو صفية) في مقابل "الديكرونية" أو (التاريخية). وثنائيته المشهورة "اللغة و الكلام" وتفريقه الحاد بينهما فهذه الأفكار الثلاثة مترابطة متكاملة ، لا انفصام لها وليس من السهل أن يعزل واحد منها عن الآخر في نظر سوسير على الأقل.

المدرسة البنيوية:

تعد أفكار دي سوسير منطلقا لكل المدارس اللسانية الحديثة ما بين مؤيد ومعارض وثورة على المنهج التاريخي المقارن ، فكانت أفكاره فاتحة عهد جديد في مضمار "العلوم اللسانية" بصفة خاصة _ لأنها المحاولة الأول التي تصاغ فيها المفاهيم اللسانية الحديثة صياغة منهجية _ و"العلوم الإنسانية "بصفة عامة ، لذلك فجل المدارس اللسانية الحديثة وصفية المنطلق ؛ لأنها قامت على أفكار سوسير ، ثمّ تلونت بوجهات نظر خاصة منحها صبغة معينة . ومن أهم أفكاره النظرة البنيوية للغة ، فاللسان _ أي اللغة _ يمثل النظام المجرد للعلاقات البنيوية الذاتية المتأصلة في اللغة ، وهي علاقات يشترك فيها كل أعضاء الجماعة اللغوية ،في حين يمثل الكلام فعل الكلام الفردي والذي لا يمكن أن يتكرر على نحو متماثل أبدا ،ولأن اللغة من وجهة نظر سوسير تؤلف نظاما بنيويا متماسكا ؛ فإنّ أي مقاربة للغة مكرسة لتفسير عمل هذا النظام الداخلي أصبحت تعرف بأنها "اللسانيات البنيوية" أو"المدرسة البنيوية"

والمنهج البنيوي يقوم على مفهومين اثنين - هما أساس المنهج الوصفي - : الوصف والتصنيف. وهذا المنهج قد أبعد عن طريقه النظر في أوليات اللغة المدروسة وتأريخها وتطورها ، ونظر إليها على أنها شكل أو بناء ثابت آني غير متغير . فوصف لذلك بأنه صوري شكلي ؛ لأنه ينظر إلى الصور اللفظية المختلفة داخل أية لغة ثمّ يصف العلاقات القائمة بين كلماتها في تراكيبها وصفا موضعيا ، ثم يقوم بتصنيف النتائج تصنيفا دقيقا مميزا بين المؤلفات التي تتكون فيها التراكيب .

فالمنهج البنيوي يلتزم بمفهوم (التزامنية) وهي: دراسة لغة محددة في لحظة معينة دون النظر في المراحل التاريخية ، فيدرس اللغة كما هي ومحاكمتها بقوانينها –لا بقوانين غيرها - دون تقعيد لغرض الدراسة نفسها، بشكل موضوعي بغية الكشف عن حقيقتها. فاللغة بالنسبة للسانيات البنيوية هي البداية والنهاية ، أو الوسيلة والغاية ، لذلك وصف علم اللغة بأنه علم انعكاسي أو انطوائي يدرس نفسه بنفسه.

البنيوية في أوروبا:

دي سوسير
هو واضع حجر الأساس للسانيات البنيوية كما تبين مما سبق، وبوصفة ممثل الأوروبيين يعول عليه في دراسة البنيوية في أوروبا ، فما هي بنيويته ومن هم أتباعه؟

فكرة البنيوية عند سوسير فكرة بسيطة تتلخص في نظرتة إلى اللغة بوصفها نظاما أو هيكلا

مستقلا عن صانعه أو الظروف الخارجية التي تحيط به. وينظر إلى هذا الهيكل من داخله من خلال مجموعة وحداته المكونة له بوصفها تمثل كلا قائما بذاته. فاللغة هي شبكة واسعة من التراكيب والنظم . وهي أشبة شيء برقعة الشطرنج التي لا تتحدد قيم قطعها بمادتها المصنوعة منها وإنما بمواقعها والعلاقات الداخلية بينها في هذة الرقعة . فكما إن كل قطعة منها تتحد قيمتها وترتبط بموقعها على هذه الرقعة، كذلك تتحد قيمة كل تركيب أو قيمة كل وحدة في التركيب بالنظر إلى هذة التراكيب، وتلك الوحدات.

إذن، فنظرة سوسير إلى اللغة نظرة تجريدية تعنى بنظام البنية العميقة لا بالبنية السطحية التي تتمثل في المادة الكلامية الواقعية . وأنّ دراسة العلاقات ذات القيم الفارقة بين التراكيب أو الوحدات تتم من جانبين :

1- الجانب الأفقي : ( السنتجماتيكي )
ويعنى بتعيين طرائق تكوين العناصر اللغوية - كلمات أو لواصق - إلى عناصر أكبر وأكثر تعقيدا أو جمل وعبارات وتراكيب ، وبيان العلاقات بين هذة العناصر. وهنا يكون التركيز على خواص التركيب من حيث موقعية عنا صره المكونة له ونوع الارتباط الواقع بينهما؛آخذين في الحسبان أن قيمة كل عنصر إنما يتضح بنوع علاقته بصاحبه من العناصر الأخرى في ذات التركيب.

2-الجانب الرأسي : ( البراديجماتيكي )
ويعنى بالعلاقات بين العناصر اللغوية في النظام اللغوي أو في الجدول الصرفي الذي يمد التراكيب بالوحدات المكونة له|، ، فهذا الجانب يركز على بمبدأ جدولت العلاقات واستبدالها. ولتوضيح ذلك نقف عند هذا المثال:

مثال : الجملة:محمد يدرس.

فالعلاقة بين (محمد) و (يدرس) علاقة سنتماتيكية وهي علاقة المبتدأ بالخبر وهي هنا علاقة وظيفية ، وهناك علاقة شكلية سنتماتيكية بين هذين العنصرين ، وهي التتابع الأفقي في التركيب ، وكل عنصر منهما في الوقت نفسه ذو علاقة براديجماتيكية بعناصر أخرى في النظام اللغوي أو الجدول الصرفي لم تقع في هذه الجملة ، وإن كانت صالحة في الوقوع مواقعها في تراكيب أخرى .فـ "محمد" ذو علاقة رأسية ، أي جزء من الجدول الصرفي الذي تنتمي إلية عناصر محددة مثل : هو، وصديقي ، والرجل، وهذا..... الخ . من كل تلك العناصر الاسمية التي تصلح مبتدأ في اللغة العربية ، و" يدرس " جزء من الجدول الصرفي الذي تنتمي إليه عناصر صالحة للوقوع خيرا في اللغة العربية، نحو: يزرع ، يحصد ، قائم ... إلخ.

فالقيمة اللغوية عند سوسير ، أي ( المعنى) إنما تحدده وتعينه مجموعة العلاقات بين الكلم ، ولا يمكن فهمه أو الوصول إليه إلا في ضوء هذه العلاقات ، فالعلاقة متبادلة بين الدال والمدلول ، تجعل كل واحد يستدعي الآخر.

وبهذا المنهج استطاع سوسير إن يستغني عن التقسيم التقليدي للنظام اللغوي، وهو : الدلالة والنحو والصرف الأصوات ، حيث يمكن وضع هذه المستويات أو الجوانب اللغوية في إطار الاتجاهين الآتيين: الاتجاه الرأسي والاتجاه الأفقي . فالنظام اللغوي إن هو إلا نظام للجداول الصرفية التي يقوم كل عنصر في داخلها بتحديد وتعيين العناصر الأخرى ، وفي الوقت نفسه يتوقف دخول أي عنصر من هذه العناصر في التتابع الأفقي على الجدول التصريفي المعين أو الجنس الصرفي للعنصر أهو: اسم أو فعل أو حرف ، و هل هو : معرفة أو نكرة ......الخ.

ومن الأعلام البارزة في أوروبا تلميذا دي سوسير ( أنطوان ميية) و (تشار لزبيية) ،وقد حذا كل منهما حذو الأستاذ في جملة أفكاره و مبادئه الخاصة بالبنيوية، فهذا (مييية ) يقرر – بما يشبه مقولة الأستاذ – أنه من الخطأ النظر إلى الوحدات اللغوية كما لو كانت منعزلة ، وإنما ينبغي أن تؤخذ على أنها نظام مترابط متماسك. والأمر نفسه عند (لزبيية) ، وإن كان يهتم بوسائل التعبير الفردية ،التي تميز شخصا عن أخر ، والتي تبين الاختلافات التعبيرية عند الأفراد.

وفي سنة 1926 تشكلت مدرسة (براغ)
والتي أخلصت لمبادئ دي سوسير في جملتها حتى إنّ أفكارها لتتطابق وتتماثل مع مبادئ الأستاذ في "البنيوية" وغيرها ، فاللغة في تصور رواد هذه المدرسة: " إن هي إلا نظام من العلائق" . ولكن مع التركيز على الجانب الوظيفي (أي: القيم اللغوية للوحدات المكونة للتركيب )، وطبقوا هذا المبدأ خير تطبيق على "الفونولوجيا " – علم وظيفة الأصوات- بوجة خاص.

ومن أعلام هذة المدرسة"جاكبسون" "وتروبتسكوي"
،وهما من أصل روسي ، وهذا الأخير هو صاحب كتاب "مبادئ الفونولوجيا" المنشور في براغ سنة 1939 وترجمه إلى الفرنسية "كانتينو" سنة 1949 لأول مرة.

وقد اتبعت هذه المدرسة في عملها المنهج السنكروني ، تماما كما سلك دي سوسير في أعماله.

ولم تخرج مدرسة (كوبنهاجن) التي أسس لها العالم الدنمركي
"هلمسليف" ( 1899 – 1965)
- وهو رائدها في الاتجاه البنيوي - عن الخطوط العريضة لمبادئ دي سوسير . والواقع أن "هيلمسلف " اهتم باللغة لا بالكلام ، ونظر إليها على أنها بنية أو هيكل أو نظام ، وأن اللغة هدف لذاتها وليست وسيلة ، وهي نظام مغلق منعزل عن العوامل الخارجية الاجتماعية والثقافية والأدبية، والتاريخية. وأنّ الوظيفة الأساسية للغويّ – عنده - هي أن يضع نظاما تجريديا لفهم اللغة ، وإنما يتم له ذلك بالنظر إلى اللغة على أنها"عملية رمزية" تدخل في إطار علم الرموز. وهو يأخذ الوظيفة في الحسبان ، ويعنى بها الدور الذي يلعبه العنصر اللغوي (وحدة صوتية – وحدة صرفية – كلمة – تركيب ) في البنية النحوية للتعبير ، فكل عضو أو عنصر في الجملة له قيمة في تشكيل المعنى العام للجملة .والفرق بينة وبين سوسير معني أولا و أخيرا باللغة المعينة ، فهذا "هيلمسلف" يحاول دراسة اللغة بالمعنى العام دون النظر إلى خصائص اللغة المعنية ؛ فاللغات عنده تشترك في بعض النقاط ، وعلى الدارسين والباحثين البحث عن هذة النقاط.

وعلى الرغم من هذا الاستشراء البنيوي في عقول علماء أوروبا، إلا أنّ اللسانيات البنيوية قد أدينت من قبل: ألمانيا ،وإيطاليا ، كأمر متناقض مع أيديولوجية هذه الدول التي لا تؤمن بتساوي اللغات ،أما البنيوية فنظرتها متساوية إلى جميع اللغات ؛ فكل اللغات عندها واللهجات يمكن تحليلها بالطرق عينها ، وأنه ليس هناك لغة تفوق لغة أخرى.

البنيوية في أمريكا.

بدأت البنيوية الوصفية في أمريكا بصورة مختلفة عن تلك التي بدأت بها في أوروبا ، ومن ثم تميزت بمبادئ وأفكار تختلف عن تلك التي عرفتها أوروبا ، ولكنها تلتقي معها في: أنّ اللغة بنية ، وأن هذه البنية لكي تدرس لا بد أن تحلل إلى مكوناتها .

والحقيقة أن البحث اللغوي في أمريكا لم يكن منبت الصلة تماما عن أوروبا . فالرواد الأوائل لعلم اللغة الأمريكي مثل:
"فرانز بواز" و "إدوارد سابير" و "ليوناردومفيلد"؛
كانوا على صلة بصورة أو أخرى بالتراث الأوروبي في دراسة اللغة ، وخاصة المدرسة التاريخية في القرن التاسع عشر ، وذلك عن طريق العالم الأمريكي "وتني" الذي كان متأثرا بالاتجاه التاريخي في أوروبا ،وقد أشار إليه دي سوسير ، ثم إن "بواز" و "سابير" قد ولدا في أوروبا، أما بلومفيلد فقد درس قواعد علم اللغة التاريخي التي وضعتها مدرسة النجاة الجدد . وقد أشار إليه سوسير، وإلى المنهج الوصفي الذي أذاعه في المقدمة التاريخية لكتابه "اللغة"، الذي تتبع فيها تاريخ الفكر اللغوي عند الهنود والرومان والعرب والعصور الوسطى ، ثم العصر الحديث في أوروبا حتى دي سوسير.

غير أن الذي يعطي مميزا لعلم اللغة الأمريكي أنه بدأ وفق تقاليد وأصول علمية أملتها طبيعة اللغات التي وجدوها في القارة الجديدة ، وهي لغات لم تكن معروفة وليست مكتوبة، ومن ثم لم يكن النموذج التاريخي الذي طبق على اللغات الهندية الأوروبية كافيا لتفسيرها ، بل ربما أدى إلى نتائج غير صحيحة، وبالتالي لم يكن أمامهم إلا تطبيق المنهج الوصفي .

وكانت البداية الحقيقية لعلم اللغة الأمريكي على يد "فرانز بواز أو يواس" الذي أدرك أنه يتعامل مع لغات تختلف في تركيبها عن اللغة الهندية الأوروبية التي درس قواعدها وفق المنهج التاريخي . ومن ثم نحى المنهج جانبا ووضع لنفسه مبدأ جديدا ،وهو أن كل لغة لها منطقها التركيبي الخاص بها ، و أن منهج التحليل المناسب تفرضه طبيعة المادة اللغوية نفسها

وقد التزم بهذا المبدأ وقام بدراسة وصفية لعدد من اللغات الهندية الأمريكية وجمعها في كتاب أطلق عليه اسم "دليل اللغات الهندية الأمريكية "، ويعد هذا الكتاب دستور البحث اللغوي الأمريكي الذي ضم مبادئ الوصف اللغوي الدقيق لتسع عشرة لغة من اللغات الهندية الأمريكية وما زالت مقدمة هذا الكتاب تعد من المقدمات الممتازة في علم اللغة ، فضلا عن أشارات "بواز" إلى علم النفس والاجتماع ودورهما في معرفة وفهم الظواهر اللغوية . وقد كان هذا الكتاب مناط اهتمام علماء اللغة الأمريكيين. ولعل ذلك ما دعا بلومفيلد إلى وصف "بواز" بأنه المعلم الأول لعلماء اللغة الأمريكيين.

أما"سابير"
فهو رائد البنيوية الأمريكية ومعلم الأجيال من علماء اللغة الأمريكيين وتلميذ من تلامذة "بواز"، وكان واسع الثقافة له اهتمامات علمية وكثيرة ومتنوعة . ويبدو أنه قد بدأ دراسته للغة بعيده عن أفكار "سوسير" ولكن فكرة النماذج اللغوية التي نادى بها لا تبعد كثيرا عن التفرقة التي وضعها "سوسير" بين اللغة والكلام .

وفكرة النماذج اللغوية هي أن كل إنسان يحمل في داخله الملامح الأساسية لنظام لغته.أي إن جميع النماذج الفعلية التي تقدمها اللغة لتأكيد عملية الاتصال ،هي نماذج ثابتة وهي الخليقة بالدراسة لأنها الأهم والأكثر حيوية في حياة اللغة. وذلك مقابل الاستخدام الفعلي للغة المتمثل في المادة اللغوية المنطوقة.

أما "بلومفيلد 1949م" Bloomfield
فيعد علما من أعلام الدراسات اللغوية أمريكا، وكتابه "اللغة" يحسبونه هناك "إنجيل علم اللغة " ؛ إذ إن البحث اللغوي الأمريكي – مهما تعددت اتجاهاته ومناهجه- يدين بالفضل لهذا العالم ومبادئه ، سواء أكان ذلك بالاتفاق معه أو بمعارضته.

والحق أن "بلومفيلد" في أمريكا يقع موقع سوسير في أوروبا من حيث: الأهمية في التأثير وجدة الأفكار، وتنوعها ، وكثرة الأتباع والتلاميذ . وإن كان الثاني أسعد حظا من صاحبه في الشهرة واتساع دائرة الأتباع والمريدين لا في الحقل اللغوي وحده، وإنما في دوائر علمية أخرى كالنقد الأدبي وعلم الأسلوب . وذلك لأنه كان أسبق زمنا وريادة في الابتكار والتجديد في الفكر اللغوي ، ولما اتسمت به أفكاره من عمق ومذاق جديد غير معهود آنذاك. وقد أفاد "بلومفيلد" من المعين السويسري؛ إذ تأثر به و أخذ عنه فكرتين مهمتين:

الفكرة الأولى: النظرة السنكرونية في التعامل مع اللغة ، والأخرى: الفكرة البنيوية للغة في عموم معناها ، وهما نظرتان أو فكرتان متلازمتان في المنهج البنيوي في عمومه ، فاستطاع أن يكوّن مدرسة أو منهجا لغويا واضحا ومستقلا: هي منهج السلوكية أو مدرسة "بيل" ، وهو اسم الجامعة التي كان يعمل بها أستاذا.

والبنيوية عند "بلومفيد" وأتباعه بنيوية من نوع خاص ، وهي في الوقت نفسه مبدأ من منظومة من المبادئ التي تكون منهجا عاما لا يمكن فهمه أو التعرف عليه بوجه مقبول إلا بالنظر في جملة هذه المبادئ بصورة ما، فلقد التزم "بلومفيلد" بالمنهج البنيوي الوصفي ولكن بطريقة خاصة أصبحت علما عليه وعلى مدرسته، ولعل اتصاله بعالم النفس السلوكي "واطسن " – أبو المنهج السلوكي الذي فضل استحداث المنهج السلوكي كثورة على المنهج الذهني - كان له أكبر الأثر في توجيه نظريته اللغوية وفق تعاليم ومبادئ المذهب السلوكي ، وهو مذهب يرى أن اختلاف الناس يرجع إلى اختلاف البيئة التي يعيشون فيها وأن سلوكهم رهن هذه البيئة.

واللغة عند "بلومفيلد" وأتباعه من السلوكيين ليست إلا نوعا من الاستجابات الصوتية لحدث معين ؛ فالإنسان يسمع جملة معينة ، أو يرى شيئا ، أو يشعر بشعور فيتولد عن ذلك استجابة كلامية ، دون أن ترتبط هذة الاستجابة بأي صورة من صور التفكير العقلي ، والإنسان في هذا يشبه الآلة أو حيوان .

وبناء على هذا الفهم لطبيعة اللغة ووظيفتها عند "بلومفيلد" وأتباعه شاع في تاريخ الفكر اللغوي أن هذه المدرسة رفضت دراسة المعنى وركزت في دراستها اللغوية على الجانب المادي الطبيعي ، وهو الصوت والبنية التي يتحقق فيها توزيع الأصوات على شكل فونيمات ومورفيمات ؛ لأنه يمثل المادة المناسبة للبحث الموضوعي المضبوط ، دون المعنى الذي قد يفتح مجالات للأحكام الذاتية الانطباعية .

والواقع أن"بلومفيلد" لم يرفض دراسة المعنى ، بل لقد أشار إلى أهمية العلاقة بين الصوت والمعنى . وإنما كان اهتمامه موجها إلى الكشف عن القوانين العامة التي تحكم السلوك اللغوي والتي قد تؤدي إلى الكشف عن القوانين التي تحكم النفس البشرية .ولذلك رأى أنه لكي نعرف المعنى معرفة دقيقة لا بد أن نكون على علم دقيق بكل شيء في عالم المتكلم ، والمعرفة الإنسانية لم تصل بعد إلى هذه الدرجة .

وبذلك أصبح بلومفيلد من دعاة نبذ العقلانية في علم اللغة وإحلال المذهب الشكلي الآلي ، الذي به تتحقق الموضوعية. أي دراسة سلوك العناصر اللغوية داخل البنية اللغوية من خلال المواضع والمواقع التي تحتلها في الكلام، والاستعاضة عن التعريفات العقلية لها التي كان يدور حولها الفكر اللغوي التقليدي بهذه الدراسة. فهذه الوحدات هي وحدات محدودة ولكنها ذات قدرات توزيعية غير محدودة .ومن ثمّ أصبحت التوزيعية هي المنهج الذي اعتمد علية "بلومفيلد" في وصف ودراسة اللغة . فقامت مدرسته المشهورة "بيل".

وتقوم التوزيعية على فكرة الإبدال والإحلال ،حيث تستبدل وحدة لغوية محل وحدة لغوية أخرى في بيئة لغوية أكبر ، مثل فونيم في كلمة أو كلمة في جملة. مثل ذلك استبدال الفونيم .

/ق/في كلمة (قام) بفونيم /ن/في كلمة (نام) ،وإحلال كلمة(رجل) محل كلمة (فرس) في

جملة مثل : رأيت فرسا . ومعنى هذا أن الفونيمين/ق/و/ن/ ينتميان إلى طبقة لغوية واحدة

وهي الفونيم . ومثل ذلك أيضا تنتمي كلمتا (رجل) و(فرس) إلى طبقة الأسماء.

وتحاول التوزيعية بهذا الأسلوب الخلاص من التعريفات التقليدية التي اعتمدت في تحديد أقسام الكلام على المعيار الدلالي أو الفلسفي أو العقلي . فالمورفيم عند "بلومفيلد "- إذا تجاهلنا المعنى – هو عبارة عن فونيم أو مجموعة من الفونيمات داخل بنية معينة . على أساس أن الفونيم الواحد في اللغة الإنجليزية قد يشكل وحدة مستقلة كما في جمع كلمة girls) ) حيث نجد أن فونيم /s/ هو مورفيم يدل على الجمع .

أما في اللغة العربية فلا يوجد مورفيم اقل من فونيمين وذلك إذا استثنينا حركات الإعراب .فحرف الجر (الباء) مثلا هو عبارة عن مورفيم يتألف من فونيمين هما الباء وحركتها أما إذا اعتبرنا المعنى فالمورفيم عند "بلومفيلد" هو عبارة: عن أصغر وحدة لغوية تحمل معنى أو وظيفة نحوية. وهو ينقسم إلى قسمين :حُر ومقيد.

وفكرة المورفيم هي فكرة توزيعية قائمة على تحديد العناصر اللغوية طبقا لوظائفها الصرفية والنحوية الدلالية.

أما التغير الملحوظ في البنيوية الأمريكية فقد ظهر في عمل رجلين معروفين في الحقل اللغوي العام .وهما : "زليج هارس" الذي أخذ بمبدأ "المكونات المباشرة "، والنظر إلى "الشكل" أو "البنية السطحية"، كما فعل "بلومفيلد"، ولكنة نظر إلى الجملة نظرة أعمق ، حيث أخذها نواة يمكن تطويلها أو توسيعها إلى ما لا نهاية ، مع الاهتمام بالعلاقات بين المكونات في الجملة،على النقيض مما فعل "بلومفيلد" في هذا الشأن ، إذ اكتفى هذا الأخير بالعناصر الموجودة بالفعل، دون كبير التفات إلى هذة العلاقات . وأما الثاني :هو "بايك" ،الذي رأى التخلص إلى حد بعيد من نظرية "بلومفيلد" قي البنيوية التي تقوم أساسا على تصنيف وحدات الجملة وبيان إمكانية توزيعها على حساب الوظيفة أو المعنى .

لقد طور "بايك" لنفسه نظرية سماها ( القوالب ) . وفيها ركز على الجانب النحوي ، فنظر إلى الجملة على أنها "قالب" ينتظم مجموعة من الخانات أو المواقع ، ولكل خانة أو موقع فئة خاصة من الكلمات ، أو العبارات والجمل في النصوص الطويلة . إنه يسير بعكس "بلومفيلد" فلا يقف عند تعيين وحدات الجملة وبيان فئتها أو نوع الكلم الذي تنتمي إليه ، بل لا بد من تحليل الجملة بوصفها تتابعا من القوالب . كل قالب منها يشير إلى الوظيفة والى نوع الكلم الذي ينتمي إلى هذه الوظيفة ، والذي يصلح لهذه الوظيفة .ومثاله: خانة المبتدأ تملأ بالاسم المعرفة . وخانة الحال في الاسم المشتق ، وخانة التمييز بالاسم الجامد ، وهكذا على ما هو معروف . وعلى الرغم من تلك التجديدات التي أضافها " بايك" فمازال الدارسون ينظرون إلى أفكار "بايك" على أنها امتداد للاتجاهات الرئيسية لتقاليد "البنيوية السلوكية".

ومن خلال ما تقدم يتبين لنا أنّ أهم ملامح البنيوية الأمريكية هي:

1- إهمال دراسة المعنى ؛ وذلك لأنه موضوع لعلم آخر كعلم النفس، فلكي نفهم المعنى علينا الوقوف على حالات الكلام والأحداث السابقة واللاحقة ، وهذا ليس من اختصاص اللغوي بل اختصاص علوم أخرى، لذلك يجب تنحية المعنى في الدرس اللغويّ.

2- قوام المعنى في هذه البنيوية : علاقة بين مثير واستجابة فقط، دون أبعاد أخرى ، فاللغة سطح لا عمق له.

3- المنادة بوجوب إتباع إجراءات الاستكشاف ، ووضع قواعد الإجراءات ، وهي إجراءات آلية تعتمد على اللغة في بدايتها وانتهائها فمن اللغة نبدأ وإلى اللغة ننتهي.

4- طرح الأشياء الذهنية التجريدية
والتركيز على الأشياء المادية
في الدراسات اللغوية ؛ وذلك لإفضاء العلمية و الموضوعية على الدراسات اللسانية ، لأنّ إقحام الذهن من شأنه أن يعوق الدراسة الوصفية الموضوعية ، لأنها لا تتعامل مع أشياء محسوسة يتحكم بها بشكل منضبط عند الجميع ، لذلك طرح كل ما يمت إلى الذهنية والدعوة لدراسة اللغة كدراسة الكيمياء والفيزياء .

ومن خلال استرجاع شريط المدرسة البنيوية يتبن لنا أنها - في عمومها - مرت بثلاث مراحل يمكن تمييز بعضها عن بعض على النحو الآتي:

المرحلة الأولى: مرحلة دي سوسير و الأوروبيين في عمومهم ، وكان جل اهتمامهم باللغة لا بالكلام ، وبيان العلاقات الداخلية بين وحدات الجملة ، تلك العلاقات التي تعد النواة للمعنى التام للجملة.

المرحلة الثانية: بنيوية"بلو مفيلد "وأتباعه الخلص ، وهي تهتم بالكلام لا باللغة، وتحصر عملها في البنيية السطحية على أساس من النظر الشكلي ، دون الاهتمام بالمعنى.

المرحلة الثالثة: "بنيوية " أمريكية موزعة سارت على جملة من مبادئ "بلومفيلد" ، ولكنها أدخلت الوظيفة أو المعنى في الحسبان . وجاءت بعدُ أو مواكبا للمرحلة الثالثة نظرات "زليج هاريس" وهي ذات سمية "بنيوية" ونظرات "بايك".

وبالمجمل فإنّ الدراسات اللغوية الأمريكية فرضت نفسها بنفسها ؛ فطبيعة اللغات التي تعرض لها لم يكن لها تاريخ مكتوب ، بل لغات منطوقة ، فجاءت الدراسة على هذا الجانب . الأمر الذي أعطاها العملية و الحركة والحيوية فنمت وتطورت بشكل سريع، مستفيدة من الأنثروبولوجيا ، وعلم الإنسان ، أو علم الاجتماع ، فغلب عليها الحركة والاتصال والقدرة على التطور والفتوة.

أما في أوروبا فتركزت الدراسات اللغوية على الجانب المكتوب ، فجاءت دراستهم بطيئة، مستفيدة من اللسانيات التاريخية المقارنة فغلب عليها الطابع الأكاديمي.

وبعدُ، فمن العدل أن نشير إلى أنّ المدرسة البنيوية على الرغم من المكانة الكبيرة التي حظيت بها إلاّ إنها قد هوجمت بـأنها:

- نظرت إلى المكونات المباشرة للغة وتغافلت عن البنية العميقة لها. وفي هذا عجز عن بيان حقيقة الشيء، فكيف بنا معرفة حقائق اللغة والوصول إلى البنية العميقة في الإنسان ، التي هي تمدّه بالزاد من الجمل والعبارات.

- اكتفت بوصف المكونات المباشرة ، وهذا لا يمكّنه من أن يقعد للغة أو العينة التي تحت الدراسة.

- عدم استطاعتها على تحليل كل أنواع الجمل ، فالجمل قد تطول وتتعقد العلاقات بين مكوناتها
.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Admin
المدير العام
المدير العام
Admin


mms المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Mms-6
علم الدولة : المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Dz10
المهنة : استاذ
ذكر
عدد الرسائل : 3792
العمل/الترفيه : موظف
الدولة : الجزائر
تاريخ التسجيل : 05/12/2008
نقاط : 6990

المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام   المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 29, 2010 11:33 am

لمادة العلمية:
ملاحظات حول جمعها ،صياغتها و توثيقها

الأستاذ مباركي عبد المجيد

أستاذ مساعد مكلف بالدروس ـالمركز الجامعي الدكتور مولاي الطاهر

سعيدة – الجزائر-

[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]

تمهيد:

تعتبر المادة العلمية العمود الفقري للبحث العلمي ، و لا يمكن للباحث أن يكتب بحثا في تخصص ما دون الاستعانة بمصادر و مراجع يؤسس عليها أفكاره و مفاهيمه و تصوراته، لكن يبقى المشكل في كيفية التعامل مع هذه المادة من حيث جمعها و صياغتها و توثيقها ، و هي الصعوبة التي يجابهها الكثير من الباحثين حيث يتعصي عليهم الاهتداء إلى منهجية سليمة تمكنهم من جمع و توظيف المادة المعرفية بطريقة صحيحة في متن البحث و في حواشيه. لذا أردنا من خلال هذه المداخلة أن نقف عند بعض الملاحظات المهمة و الأساسية ، و التي يجب على الباحث أن يراعيها في المحطات الرئيسية من البحث العلمي.

المراجع و قراءتها:

بعد وضع الباحث لخطة البحث من أبواب أو فصول و مباحث عليه أن ينتقل إلى جمع المادة العلمية التي يراد توظيفها في كتابة البحث و صياغته ، و لن يتأتى ذلك إلا بعد أن يكون الباحث قد جال و زار عددا كبيرا من المكتبات و مراكز البحث (المكتبات الجامعية ، البلدية ، الخاصة...) ، و يكون قد قام بتحديد موقع المصادر و المراجع في كل مكتبة و قد أعد قائمة أولى لها من خلال استعانته بـ :

1- الكتب المتخصصة المتعلقة بموضوع الدراسة التي يبحث فيها الدارس.

2- قائمة المصادر و المراجع التي تتضمنها الكتب الحديثة التي لها علاقة بموضوع البحث.

3- فهارس المعارض و فهارس المكتبات العمومية و الخاصة التي يطلع عليها الباحث فيتعرف على أسماء المؤلفين و عناوين الكتب التي تخدم بحثه.

4- استشارة أهل الخبرة من الأكاديميين و طلب المساعدة منهم بمده بأسماء المؤلفين الذين لهم دراسات قريبة من موضوع البحث ، حيث تكون " الاستفادة من أهل الخبرة من أصحاب المكتبات سواء العامة أو التجارية ، فلديهم الخبرة التي لا توجد لدى غيرهم في هذا المجال من الكتب المطبوعة أو التي تحت الطبع ، و من الاصدارت الجديدة و أين يمكن الحصول عليها ، بل لديهم القدرة على توفير الكتب النادرة أو التي لا توجد في البلد الذي يقيم فيه الباحث".

5-الرجوع إلى عناوين المراجع التي توجد في المجلات التي تصدرها المؤسسات الأكاديمية من جامعات و معاهد.

6-الرجوع إلى الدراسات الأكاديمية العليا من رسائل الماجستير و الدكتوراه من خلال ما تحمله فهرسة المصادر و المراجع المعتمدة في الدراسة.

7-مراكز التوثيق حيث أنه " في البلاد التي أدخلت نظام مراكز المعلومات أو مراكز التوثيق يمكن الاستفادة مما لديهم من معلومات في التعرف على المراجع التي تخدم هدفه بل ربما استطاع خلال دقائق و بضربات على الحاسوب أن يحصل على كل أو معظم المراجع التي يمكن أن تخدمه في بحثه"

أقسام المراجع:

ليس هناك عدد معين من المراجع يمكن الاعتماد عليه في جمع المادة العلمية لكن يمكن حصر أنواعها في:

-الموسوعات و دوائر المعارف.

-الكتب القديمة ، و يستحسن أن يعتمد على ما هو محقق من النسخ.

-الكتب الحديثة التي لها علاقة بموضوع البحث و التي تحمل أسماء لمؤلفين معروفين في ذلك التخصص.

-المجلات و الدوريات المحكمة التي تصدرها مراكز البحث الأكاديمية من مدارس و جامعات و معاهد.

-رسائل التخرج للدراسات العليا كالماجستير و الدكتوراه.

قراءة المراجع: و هناك قراءتان يمكن للباحث أن يتعامل من خلالهما مع المراجع هما

1-القراءة السريعة: و التي تتم عادة من خلال قراءة الباحث لفهرس المحتويات لينتقي ما يتصل بموضوع بحثه فيركز على بعض المحاور في المرجع، و يتجنب بذلك قراءة كل المحاور التي يحتويها الكتاب.

2-القراءة العميقة: " و هي التي تخرج زبدة البحث و يشكل الطالب فيها أهم ما يريد أن يتوصل إليه و تحتاج هذه المرحلة إلى تركيز و عمق و تكرار بحيث لا يتجاوز فقرة إلا بعد أن يتأكد من استيعابه لها. و هي التي تولد لدى الطالب أفكاره و تعمقها و توضحها"، و بهذا الشكل يكون الباحث مضطرا لأن يقرأ معظم محاور الكتاب علٌه يجد في متن بعض العناصر ما يخدم جزءا من بحثه رغم بعد عنوان المحور أحيانا عن المرجو من البحث.

جمع المادة:

هذا فيما يتعلق بالقراءة أما جمع المادة فإنه يتخذ شكلين أو طريقتين هما:

الطريقة الأولى: و هي الجمع الشامل للصياغة الأولية، حيث عندما يشعر الباحث أنه قام بجمع المادة الخاصة بمعظم عناصر البحث يبدأ بعدها بالصياغة ‘على أن يكمل جمع المادة فيما بقي من عناصر قليلة للموضوع.

الطريقة الثانية:و في هذه الطريقة يتم جمع المادة الخاصة بكل جزء من البحث ، بحيث عندما ينتهي من جمع مادة الفصل الأول مثلا يقوم بعدها بصياغة هذا الفصل ثم بعد أن ينهي يقوم بجمع المادة الخاصة بالفصل الثاني و هكذا دواليك حتى ينتهي من صياغة كل عناصر الموضوع. و لهذه الطريقة ميزات أهمها:

- الشعور بالانجاز المبكر.

-الثقة بالنفس ( إنهاء كل فصل يمثل دافعا للبحث في الفصل الآخر)

-رفع الكفاءة بفضل التفرغ للموضوع الواحد

التدوين على البطاقات:

و هي أحسن طريقة لجمع المادة العلمية حيث يتم في البطاقة حصر أهم مصادر و مراجع البحث من جهة، و من جهة أخرى تُسهل الرجوع إلى المادة المراد الاعتماد عليها. " و هناك من الباحثين من يستخدم أساليب أخرى للتدوين فيما يسجل المعلومات على أوراق بيضاء ثم يرتبها على حسب ترتيب الفصول ثم يضعها في حافظة يرجع إليها متى شاء ، و بالطبع هناك رسائل مختلفة لأخذ المذكرات و من أحدثها تسجيلها بواسطة الإعلام الآلي إلا أن نظام البطاقة اليدوية يعتبر الأكثر استعمالا في الوقت الحاضر"

و البطاقات نوعان هما:

أ- بطاقة لتدوين معلومات الكتاب: و تحمل هذه البطاقة المعلومات الخاصة بالمرجع من اسم للمؤلف و عنوان الكتاب و دار النشر و سنته و اسم المكتبة و رقم تصنيف الكتاب، و هذه المعلومات تختلف عن بطاقة المقبوسات من حيث أن هذه الأخيرة خاصة بمادة الكتاب و ليس بمعلوماته.

ب- بطاقة النصوص المقتبسة: تستخدم هذه البطاقة لكتابة النصوص المقتبسة و التي يرغب الباحث الاعتماد عليها في صياغة متن البحث ، حيث يستطيع الرجوع إليها في أي مرحلة من مراحل البحث و في أي فقرة من فقراته و هذا حتى يؤسس موقفا أو يفند فكرة أو يرجح رأيا من الآراء.

و يفضل أن تكون هذه البطاقات ذات لون واحد أو ألوان مختلفة حسب كل فصل. و فيما يلي نموذج البطاقتين:

النموذج –أ- بطاقة مرجع

الطبعة

عدد الأجزاء

دار النشر

مكان النشر

سنة الطبع

اسم المؤلف

عنوان الكتاب


تعليق الباحث


رقم التصنيف



اسم المكتبة

النموذج-ب- بطاقة نص مقتبس

الموضوع العام

اسم الكاتب

عنوان الكتاب

الجزء... الصفحة...

الموضوع الخاص

النص

تعليق الباحث

ملاحظات تتعلق بالتدوين على البطاقات

- الاعتناء بجودة الخط.

-تدوين المعلومات على وجه واحد من البطاقة.

-إذا كانت الفقرة أكثر أو أطول من حجم البطاقة فيستكمل ما بقي منها في بطاقة أخرى و تربط بالبطاقة الأولى و ترقم معها ترقيما متسلسلا.

-تنقل المعلومة حرفيا و توضع بين علامتي تنصيص للتفريق بينها و بين كلام الباحث.

- في حالة حذف بعض الكلمات من الفقرة فلا بد أن يشير الباحث إلى ذلك بوضع نقاط مكان الكلمات المحذوفة.

-عدم الانتقال إلى مرجع آخر إلا بعد الانتهاء من جرد المرجع الأول.

الصياغة:

و هي المحطة الأساس من محطات البحث العلمي و هي أكثر المراحل صعوبة ،ففيها يلمس القارئ بصمات الباحث و توجهاته و انتماءه الفكري و الاديولوجي من خلال مناقشته للآراء أو تفنيدها، أو تبنيه لها، لذا يلزم الباحث أن تكون صياغته علمية تتماشى و إطار البحث العلمي و مبادئه و لا تخرج عن روح المنهجية السليمة.

إن الشروع في الصياغة يكون بعد الانتهاء من عملية الجمع و التدوين على البطاقات ليبدأ بفرز هذه الأخيرة و ترتيبها وفق ما اعتمده من خطة رتب من خلالها محاور بحثه و كذا توزيعها حسب مقبوساتها على الأبواب أو الفصول أو المباحث لتأتي بعد ذلك مرحلة الصياغة. و فيها يلزم الباحث مراعاة ما يلي :

1- قراءة المادة العلمية المدونة على البطاقات بدقة و عناية.

2- استعمال الأسلوب الواضح دون مبالغة في استعمال لغة صعبة تجبر القارئ على استعمال المعاجم اللغوية ، فمن سمات البحث العلمي وضوح أفكاره و بساطة معانيه،لكن في نفس الوقت عدم استعمال اللغة العامية إلا إذا فرضت ذلك طبيعة البحث كأن يخوض الباحث في مجال الأدب الشعبي و الذي يضطر فيه لاستعمال تلك اللغة في تدوين بعض النصوص.

3- الشرح و التحليل و التعليق و ذلك " يأخذ الحيز الأكبر من البحث ، بل جل عمل الباحث هو القيام بشرح العبارات و توضيحها و استخراج الشواهد منها ، أو بتحليلها و ربطها بموضوع بحثه ، أو بالتعليق عليها بالسلب أو الإيجاب و التبيين و خلالها يظهر رأيه و جهده في التعامل مع الآراء و الأفكار "

4- عدم الاستشهاد بالأشعار و الأمثال و الحكم إلا للضرورة العلمية كأن يكون البحث في مجال اللغة و الأدب.

5- عند تعدد الآراء و وتضاربها حول فكرة معينة فلا بد أن يفصل الباحث و يعدل و يرجح الحكم،

" فعند ذكر آراء متعددة من خلال استعراض الباحث لأقوال العلماء في قضية ما يلزمه توجيه خلاف العلماء و محاولة الترجيح مع الدليل ، حتى لا يجعل القارئ في حيرة من أمره ، فالترجيح و الخروج من الخلاف مهمة الباحث و ليست مهمة القارئ " و في هذا الشأن يقول محمد عجاج الخطيب " و رائده في ذلك كله الإخلاص و الأمانة و إتباع الحق ، و لابد من أن تظهر شخصية الباحث من خلال بحثه ، فلا يكتفي بالجمع و النقل ، فعليه أن يبدي رأيه في المقام المناسب ، و يورد الأدلة و الحجج و البراهين في موضعها ، و يفند الباطل ، و لا يسلم بكل ما يقال إلا بعد دراسة و فحص ، لأن بعض ما ينتهي إليه بعض المؤلفين من نتائج يكون مبنيا على خطأ أو على استنتاج غير سليم فينتقل هذا الخطأ إلى موضوع يبنى عليه "

6- المحافظة على انسيابية فقرات البحث ، فلا يؤخر فكرة عن أخرى أو يقدمها عنها حتى يحافظ على وحدة البحث و تكون أفكاره منسقة و مرتبة.

7- إتمام صياغة الفكرة قبل انقضاء عمله اليومي لأنه لا يمكن للفكرة أن تظل قائمة في الذهن بالشكل الذي كانت عليه أثناء تركيز الباحث في صياغة متن بحثه. كما أن محاولة تذكرها بعد ذلك أمر صعب لأن الذاكرة معرضة للتشويش و النسيان أيضا.

8- مراعاة الضوابط الكتابية واحترام علامات الوقف و الترقيم و هذا لتنظيم الفقرات و تمييز الجمل و إبراز معانيها.

آداب صياغة البحث:

1- الأمانة العلمية و الالتزام بالصدق.

2- تجنب توظيف الكلمات النابية و القبيحة و التسامي عن استعمال ما هو مبتذل من الكلمات التي لا مكان لها في البحث العلمي.

3- تحقيق العدالة في الحكم أو ما يسمى بالموضوعية.

4- تجنب ذكر الأسماء في مواطن النقد .

5- لا يحق للباحث أن يشير لهم و لو كان بالدعاء لهم كقوله فلان هداه الله، أو أصلحه الله

سامحه الله...

التوثيق: و يسميه البعض أيضا بالإحالة أو التهميش ، و يقول علماء المنهج بوجود أنواع من الإحالات منها التوثيق في نفس الصفحة التي يوجد بها المقبوس(أسفل الصفحة)، أو في نهاية المبحث أو في نهاية الفصل، أو في نهاية البحث ككل ، لكن الغالب من الإحالات يكون في نفس الصفحة لأنه يسهل على القارئ معرفة مصدر النصوص و التعرف على ما هو محال و موثق من معلومات بشكل مباشر دونما الانتقال إلى صفحة الإحالة ثم الرجوع مرة ثانية للمتن لمواصلة القراءة. كما لابد من الإشارة إلى أنه لا يمكن وضع الإحالات في متن البحث إلا في حالة واحدة تتعلق بالنصوص القرآنية لأن توثيقها صغير و لا يعرقل انسيابية القارئ و لا يخلط بين كلام الباحث و النص المقتبس.

وظيفة الإحالة: "والتوثيق يعني في هذا الإطار الاستفادة من مصادر المعلومات المختلفة مع ذكر هذه المصادر و الذين تنسب إليهم هذه المعلومات و ذلك بتوخي الموضوعية و الأمانة العلمية مع الالتزام بالدقة و الصدق. و عليه فالتوثيق الجيد يخدم الباحث فيما يخص الاستعانة بأفكار الغير سواء بالاقتباس الحرفي أو غير المباشر من جهة، و تمكين القارئ و المهتم بالبحث بمعرفة المراجع التي ارتكز عليها الباحث و الرجوع إليها إذا وجد هذا ضروريا من جهة أخرى "

للإحالة وظائف عدة أهمها :

1- هي مكان للتوثيق و رد جميع النصوص المقتبسة إلى مصادرها و مراجعها (الأمانة العلمية).

2- هي موضع لتخريج الأحاديث النبوية الشريفة أما الآيات القرآنية فقد توثق في متن البحث.

3-إذا تعددت الآراء حول قضية ما فبإمكانه أن يعتمد رأيا واحدا في المتن على أن يعرض بقية الآراء في الهامش.

4- توضيح المعلومات الغامضة كتوضيح كلمة، شرح مصطلح، تفسير جملة...

5-الإحالة مكان لترجمة الأعلام و الأماكن، و لكن لا يترجم للعلم في الحاشية إلا في حالتين:

- إذا كان العلم غير مشهور.

- لتفادي اللبس و الخلط إذا كان اسم العلم يشبه اسما آخرا.

أنواع التوثيق:

أولا يجب الاعتماد في الاقتباس على مراجع و مصادر متخصصة كي يكون التوثيق ذا قيمة و فائدة و أيضا لتفادي التدليس و الغش الموجود في بعض المؤلفات، لذا يجب على الباحث إتباع منهج علمي في توثيق النصوص و إحالتها إلى مؤلفيها الأصليين.

النصوص المقتبسة ثلاثة أنواع:

1- الآيات القرآنية الكريمة.

2- الأحاديث النبوية الشريفة.

3-جميع النصوص الأخرى (عدا الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية)

أولا: إحالة الآيات القرآنية

الاقتباس الدقيق مع تجنب الخطأ ثم وضعها بين علامتين مميزتين للتنصيص و يستحسن أن تكون بين قوسين مزهرين، ويجب تفادي استعمال هذين القوسين في النصوص الأخرى لتمييز كلام الله عن كلام البشر. و هنا يمكن إحالة النصوص القرآنية بطريقتين كما أشرنا إلى ذلك سابقا:

أ- داخل متن البحث لأن ذلك لا يحدث خللا في الانسيابية أثناء القراءة فتوثيقها ليس بطويل و هو يقتصر على الإشارة إلى اسم السورة و رقم الآية.

ب- في الهامش و بذلك ترقم ترقيما تسلسليا مع بقية النصوص الأخرى.

ثانيا: توثيق الأحاديث النبوية الشريفة

إذا اعتمد الباحث على حديث نبوي شريف في متن بحثه فانه يتبع الطريقة التالية:

- يحصر الحديث النبوي بين علامتي تنصيص مميزتين لكن غير تلك التي اعتمدت في حصر النصوص القرآنية.

- يرقم الحديث في متن البحث ترقيما متسلسلا مع بقية النصوص الأخرى إن وجدت.

- بعد أن يُخرج الحديث يوثق في الحاشية مع بقية النصوص الأخرى، و لا يمكن فعل ذلك بالمتن، و تُرتب المعلومات الخاصة بتوثيق الحديث على حسب الحالة التي تكون عليها الرواية.

الحالة الأولى:

اسم راوي الحديث: اسم المصدر ، اسم الكتاب ، اسم الباب ، الجزء ، الصفحة ، رقم الحديث

(إن وجد).

مثال: يقول الرسول صلى الله عليه و سلم " من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، و من صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله "1 و الهامش نكتب

1- مسلم: صحيح مسلم ، كتاب المساجد و مواضع الصلاة ، باب فضل من صلى العشاء و الصبح في جماعة ،الجزء... ، الصفحة ... ، رقم الحديث ...

الحالة الثانية : إذا اعتمد على صحيح البخاري بشرح النووي فيكون التوثيق على الشكل التالي:

اسم الراوي: اسم المصدر (اسم الشارح) ، اسم الكتاب ، ...... إلى رقم الحديث.

أي نقول رواه البخاري : صحيح البخاري (شرح الإمام النووي) ، الكتاب ، ...... إلى رقم الحديث.

الحالة الثالثة:إذا روى الحديث أكثر من راو واحد فيفصل بين الروايات المتعددة فاصلة منقوطة(؛) مع الإشارة إلى من اعتمد لفظه.

مثال: جاء في صحيح مسلم، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا زهير، حدثنا أبو الزبير ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم ، فتذبحوا جذعة من الضأن "1 و في الهامش نكتب
1- رواه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة و اللفظ لمسلم.مسلم: صحيح مسلم ،كتاب الأضاحي ، باب سن الأضحية ، الجزء... ،الصفحة... رقم الحديث ... ؛ أبو داود : سنن أبي داود ،........ إلى رقم الحديث ؛ النسائي..........إلى رقم الحديث... ؛ ابن ماجة ............إلى رقم الحديث

الحالة الرابعة: إذا كان الحديث متفق عليه: يوثق بنفس الطريقة السابقة أي الفصل بين الروايتين بفاصلة منقوطة على يسبق التوثيق عبارة "متفق عليه"

مثال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " إن الحلال بين و الحرام بين "1 و في الهامش نكتب:

1- متفق عليه.البخاري: صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ........إلى رقم الحديث ؛ مسلم: صحيح مسلم ..........إلى رقم الحديث.

الحالة الخامسة : إذا استفاد الباحث في دراسته من الشرح فيكون التوثيق بمرتين و على الشكل التالي:

يوثق الحديث بشكل عادي أي من اسم الراوي إلى رقم الحديث إن وجد.

مثلا:مسلم : صحيح مسلم ........رقم الحديث. ثم يليه التوثيق الثاني

النووي: صحيح مسلم بشرح النووي ، الكتاب .........إلى رقم الحديث

الحالة السادسة: قد يرد الحديث الشريف في عدة كتب أو أبواب من مصدر واحد: و في هذه الحالة من التوثيق يكون الفاصل بين البابين نقطة و الفاصل بين الكتابين فاصلة منقوطة

مثال:ابن ماجة:سنن ابن ماجة ، كتاب ..، باب..، ج..، ص..، رقم الحديث . وباب.. ، ج.. ، ص.. ، رقم الحديث.. ؛ و كتاب..،ج..،ص..،رقم الحديث.. ؛ و كتاب..، باب.. ، ج.. ، ص.. ، رقم الحديث..

ثالثا:توثيق النصوص الأخرى: و يقصد بالنصوص الأخرى كل ما اقتبسه الباحث من مادة من المصادر و المراجع عدا الآيات القرآنية الكريمة و الأحاديث النبوية الشريفة ، و يكون اقتباس هذه المادة إما حرفيا دون تعديل أو تغيير أو تصرف و إما مختصرة أو متصرف فيها و إما أن يرتبط الاقتباس بالفكرة و ليس بالنص الأصلي. و لنا أن نبين كيفية التعامل مع هذه الحالات.

أ- الاقتباس الحرفي:

و القصد به النقل الحرفي للمقبوس و الذي يُتبع في توثيقه الخطوات التالية :

1- لابد من أن يُحصر النص بين علامتي تنصيص.

2- يرقم المقبوس فوق علامة التنصيص الأخيرة و يكون متسلسلا بين أرقام التوثيق في الصفحة نفسها.مثال " فعلم الاجتماع و في كل الأحوال فإن البحث الإجرائي أقل ضبطا من قرينه التجريبي و أكثر خصوصية من حيث النتائج "1

و في الحاشية نكتب:

1- محمد زياد حمدان: البحث العلمي في التربية و الآداب و العلوم ، دار التربية الحديثة ، 2001 ، ص44

3- " إذا اقتبس الباحث و كانت فكرته مطروقة في أكثر من مرجع ، فينبغي الإشارة إليها بعد توثيقها من المرجع الأول الأساسي الذي اقتبست منه الفكرة ، على أن تُسبق المراجع الأخرى بكلمة (و انظر) أو (و راجع). ثم يفصل بين كل المراجع الثانوية بفاصلة منقوطة (؛) "[9]

مثال:

" و لا تزال دول العالم الثالث تئن تحت أثقال الديون للدول الغنية بستمائة و خمسين مليارا من الدولارات و أغلبها تراكمات للربا الفاحش عاما بعد عام ...."1

و في الحاشية نكتب :

1- زغلول النجار: قضية التخلف العلمي و التقني في العالم الإسلامي المعاصر....ص 80. و انظر سفر الحوالي : العلمانية .....ص411 ؛ محسن عبد الحميد : المذهبية و التغيير الحضاري .....ص56.

ب- الاقتباس الحرفي مع التصرف:

يتصرف الباحث أحيانا في المقبوسات لضرورة يراها و قد تتعلق بعرض النص بشكل يراه مناسبا أكثر لمتن بحثه أو رغبة منه في عرضه بطريقة أفضل ، لكن لا يعني أن ذلك هو تغيير المقبوس بشكل كبير و إلا كان اقتباسا بالمعنى ، فالأصل في هذا التصرف هو الإبقاء على أسلوب صاحب النص مع إبدال كلمة بأخرى أو تقديم و تأخير بعض جمل النص.

أما طريقة توثيقه فتكون على الشكل التالي:

1- يوثق النص المقتبس "حرفيا مع التصرف" بنفس الطريقة التي يوثق بها النص المقتبس اقتباسا حرفيا أي وضعه بين علامتي تنصيص و يرقم فوق العلامة الأخيرة على أن تضع كلمة بتصرف إما في بداية التوثيق أو بعد نهايته.

2- عندما يتصرف الباحث بشكل كبير في النص كأن يختزل جملا كثيرة أو كتغيير أماكن الفقرات فيستحسن حينها عدم وضع المزدوجتين في المتن، و في التوثيق في الحاشية نكتب عبارة بتصرف كبير.

3- " لا يجوز استخدام عبارة (بتصرف) في الاقتباس بالمعنى و لا يمكن استخدامها مع (انظر) أو (راجع) لأن ذلك تناقضا مع مدلولاتها "

ج- الاقتباس الحرفي مع الاختصار:

قد يكون النص طويلا و ما يحتاجه الباحث منه بعض الجمل فيضطر إلى نقل النص مع اختصاره أي مع حذف ما يراه عرضيا من العبارات و الفقرات و يكون توثيقه على الشكل التالي:

1- وضع المقبوس "حرفيا مع الاختصار" بين مزدوجتين شأنه في ذلك شأن التوثيقين السابقين

( الحرفي و الحرفي مع التصرف) و توضع ثلاث نقاط أفقية مكان الفقرة أو العبارة المحذوفة.

2- يجب على الباحث أن يحافظ على معنى النص و لا يحدث حذفه لبعض العبارات خللا في معنى النص.

3- توثيقه في الحاشية لا تسبقه عبارة " باختصار " و لا تأتي في آخره ، فوجود النقاط الثلاث في متن النص المقتبس تغني عن استخدامها في الحاشية.

د- الاقتباس غير الحرفي(بالمعنى):

و يختلف هذا النوع من الاقتباس عن بقية الأنواع الأخرى في كونه لا يمثل كلام المؤلف بل معناه، أي أن الصياغة تكون للباحث أما الفكرة فهي للمؤلف و يأتي توثيق هذا النص على الشكل التالي:

1- توظيف المقبوس في متن البحث دون تنصيص مع وضع الرقم التسلسلي بعد نهاية النص.

2- توثيقه مثل توثيق النص الحرفي على أن يسبق بعبارة " انظر" أو "راجع".

3- يرى بعض الباحثين أن هناك فرق من حيث المدلول بين كلمة "أنظر" و كلمة "راجع" حيث أن

" أنظر" تستخدم عندما يكون الاقتباس بالمعنى من مرجع معين ، أما عبارة "راجع" فتستخدم عندما تكون الفكرة للباحث و لها في مراجع أخرى ما يثبتها و يؤكدها.

خاتمة:

و نخلص في الأخير إلى تسجيل النقاط التالية:

-أولا فيما يخص الجمع:

تتعدد طرق جمع المادة العلمية لكن يبقى الجمع عن طريق البطاقات أحسن الطرق من حيث السهولة في حصر أهم المصادر و المراجع المتعلقة بالبحث فيتيسر بذلك فهرستها في آخره و كذا الفعالية في جمع المقبوسات و تنظيمها و ترتيبها حسب مراحل البحث المتبعة.

-ثانيا فيما يخص الصياغة:

إذا التزم الباحث بشروط الصياغة المذكورة سابقا (الشروط العلمية و الأخلاقية لصياغة البحث ) فانه يتبين بوضوح الإطار السليم الذي لا يحيد عنه في صياغته للمادة و لا يتجاوز فيه حدود دائرة الذوق العلمي. كما يتمكن من إبراز شخصيته العلمية بشكل واضح يجعل القارئ يتعرف على بعض جوانب تلك الشخصية.

-ثالثا فيما يخص التوثيق:

مثلما يحكم على قيمة البحث من حيث المادة المعرفية الموجودة في المتن فانه يحكم على البحث من حيث قيمة التوثيق و كيفية إعداده منهجيا، لكن لا يوجد معيار دقيق لتحديد حجم الحواشي لان خصوصية البحث هي التي تحدد ذلك، كما أن العبرة ليست في عدد الإحالات و في كثرتها بل في قيمتها و في مصداقيتها العلمية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Admin
المدير العام
المدير العام
Admin


mms المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Mms-6
علم الدولة : المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Dz10
المهنة : استاذ
ذكر
عدد الرسائل : 3792
العمل/الترفيه : موظف
الدولة : الجزائر
تاريخ التسجيل : 05/12/2008
نقاط : 6990

المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام   المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_minitimeالإثنين نوفمبر 29, 2010 11:34 am

أثر منطق القوة في التوجيه النّحويّ: المسألة الزنبوريّة نموذجا

د. ناصر إبراهيم صالح النعيمي

أستاذ مساعد في جامعة البلقاء التطبيقية- رئيس قسم اللغة العربية وآدابها / كلية أصول الدين الجامعية

يعدّ منطق القوة من الموجهات الأساسية المؤثرة القوية في جميع مناحي الحياة: الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية...، وهذا البحث ، يسعى إلى إظهار دور منطق القوة في التوجيه النحويّ من خلال الوقوف على إحداثيات المسألة الزنبورية : إذ يرى الكوفيون بأنه يجوز على رأي شيخهم الكسائي أَنْ يقال:كنت أظن أَنّ العقرب أشد لسعة من الزنبور، فإذا هو إياها"، أما البصريون فكان رأيهم أَنّه لا يجوز أَنْ يقال : فإذا هو إياها ويجب أن يقال : فإذا هو هي .

وخلص البحث إلى أنّ انتصار الكسائي في المسألة الزنبورية كان انتصارا لمنطق القوة الذي تسلح به بحكم علاقته مع الخلفاء آنذاك ، وليس انتصارا لغويا أو نحويا. وأنّ رأي سيبويه هو الأصح.

أثر منطق القوة في التوجيه النّحويّ : المسألة الزنبوريّة نموذجا

من المسائل النحوية التي قام حولها خلاف في تاريخ مدرستي الكوفة والبصرة المسألة الزنبورية . والتي تجدها في كثير من مصادر النحو العربي وبطرق مختلفة في الرواية .

وبعد التدقيق ومعاينة الكتب التي وردت فيها هذه المسألة تبين أنها كتبت بعد مئة وستين سنة من حدوثها ، حيث ذكرها أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، والمتوفى سنة (337) للهجرة في كتابه مجالس العلماء فيقول :

حدثني أبو الحسن قال : حدثني أبو العباس أحمد بن يحيى وأبو العباس محمد بن يزيد وغيرهما قال أحمد : حدثني سلمة قال : قال الفراء : قدم سيبويه على البرامكة ، فعزم يحيى على الجمع بينه وبين الكسائي ، فجعل لذلك يوماً ، فلما حضر تقدمتُ والأحمر فدخلنا فإذا تمثال في صدر المجلس ، فقعد عليه يحيى ، وقعد إلى جانب التمثال جعفر والفضل ومن حضر بحضورهم ، وحضر سيبوبه فأقبل عليه الأحمر فسأله عن مسألة أجاب فيها سيبويه ، فقال له : أخطأت . ثم سأله عن ثانية فأجابها فيها ، فقال له : أخطأت . ثم سأله عن ثالثة فأجابه فيها ، فقال له : أخطأت ، فقال لـه سيبوبه : هذا سوء أدب .

قال : فأقبلت عليه فقلت : إنّ في هذا الرجل حِدّة أو عجلة ولكن ما تقول فيمن قال : هؤلاء أبون ، ومررت بأبين ، كيف تقول مثال ذلك من وأيت أو أويت . قال : فقدِّر فأخطأ ، فقلت : أعد النظر فيه . فقدّر فأخطأ . فقلت : أعِدِ النظر ثلاث مرّات ، يجيب ولا يصيب . قال : فلماّ كثر ذلك قال : لست أكلمكما أو يحضر صاحبكما حتى أناظره . قال : فحضر الكسائي فأقبل على سيبويه فقال : تسألني أو أسألك ؟ فقال : لا بل سلني أنت . فأقبل عليه الكسائي فقال له : ما تقول أو كيف تقول : قد كنت أظن أنّ العقرب أشد لسعة من الزنبور ، فإذا هو هي أو فإذا هو إياها ؟

فقال سيبويه : فإذا هو هي . ولا يجوز النصب . فقال له الكسائي : لحنت . ثم سأله عن مسائل من هذا النوع، خرجت فإذا عبدالله القائمُ أو القائمَ ؟ فقال سيبويه في كل ذلك بالرفع دون النصب ، فقال الكسائي : ليس هذا كلام العرب ، العرب ترفع في ذلك كلّه وتنصب .

فدفع سيبويه قوله ، فقال يحيى بن خالد : قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن ذا يحكم بينكما ؟ فقال الكسائي : هذه العرب ببابك قد جمعتهم من كلِّ أوب ، ووفدت عليك من كل صقع ، وهم فصحاء الناس ، وقد قنع بهم أهل المصرين ، وسمع أهل الكوفة وأهل البصرة منهم ، فيحضرون ويسألون . فقال يحيى وجعفر : لقد أنصفت . وأمر بإحضارهم ، فدخلوا وفيهم أبو فقعس ، وأبو زياد ، وأبو الجراح ، وأبو ثروان ، فسئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه، فتابعوا الكسائي وقالوا بقوله. قال: فأقبل يحيى على سيبويه فقال له : قد تسمع أيها الرجل . قال : فاستكان سيبويه وأقبل الكسائي على يحيى فقال : أصلح الله الوزير إنه قد وفد عليك من بلده مؤملاً ، فإن رأيت ألاَّ تردّه خائباً . فأمر له بعشرة آلاف درهم، فخرج وصيّر وجهه إلى فارس فأقام هناك حتى مات ولم يعد إلى البصرة .

قال أبو العباس: وإنما أدخل العماد في قوله: فإذا هو إياها ؛ لأن "فإذا" مفاجأة ، أي فوجدته ، ورأيته ، ووجدت ، ورأيت تنصب شيئين ، ويكون معه خبر ، فلذلك نصبت العرب (1) .



المضمون النحوي للمسألة الزنبورية.

يرى الكوفيون أنه يجوز على رأي شيخهم الكسائي أَنْ يقال : كنت أظن أَنّ العقرب أشد لسعة من الزنبور ، فإذا هو إياها" .

أما البصريون فكان رأيهم أَنّه لا يجوز أَنْ يقال : فإذا هو إياها ، ويجب أن يقال فإذا هو هي .

والملاحظ أنّ مسألة الخلاف بين الطرفين تكمن في الاسم الواقع بعد إذا الفجائية ، هل يجوز الرفع أم النصب أم كلاهما. هذا ما بينه أبو البركات الأنباري في المسألة التاسعة والتسعين من مسائل كتابه ( الإنصاف في مسائل الخلاف)، فإليكموها (2).

الكوفيون:أخذوا برأي الكسائي الذي أجاز النصب والرفع معاً ، والعرب قد وافقت الكسائي على ذلك . أما البصريون فقد أخذوا برأي سيبويه الذي أجاز الرفع فقط .

والقياس عند الكوفيين - كما ذكره الأنباري - هو أَنّ ( إذا ) ظرف مكان ، والظرف يرفع ما بعده ، وتعمل في الخبر عمل ( وجدت ) ؛ لأنها بمعنى وجدت .

أما القياس عند البصريين فإنه لا يجوز النصب ؛ لأن (هو) مرفوع بالابتداء ، ولا بدّ للمبتدأ من خبر ، فوجب أن يقال : فإذا هو هي . فضمير ( هو) راجع إلى الزنبور ؛ لأنه مذكر ، والضمير ( هي ) راجع إلى العقرب لأنه مؤنث .

وأما الجواب على كلمات الكوفيين – على رأي الأنباري - فإنّ ما رووه عن العرب من قولهم : "فإذا هو إيّاها"، فمن الشاذ الذي لا يعبأ به كالجزم والنصب بـ ( لم )، وما أشبه ذلك من الشواذ التي تخرج عن القياس.

وأمّا قولهم: إنّ (إذا ) إذا كانت للمفاجأة كانت بمنـزلة (وجدت) فباطل؛ لأنها إن كانت كذلك فوجب أن يرفع بها فاعل وينصب بها مفعولان ، كقولهم: "وجدت زيداً قائماً" فترقع الفاعل وتنصب المفعولين ، ومهما أُوّل الاسم بعد (إذا) الفجائية ، فهذا اللفظ ظرف مكان ، وظرف المكان يجب رفع المعرفتين بعده ، فوجب أن يقال: "فإذا هو هي" .

وكذلك فإن قالوا : إنّ (إذا) تعمل عمل الظرف وعمل (وجدت) فترفع الأول لأنها ظرف ، وتنصب الثاني على أنها فعل ينصب مفعولين ، فباطل ؛ لأنها إنْ أعملوها عمل الظرف بقي الاسم المنصوب بلا ناصب ، وإنْ أعملوها عمل الفعل لزمهم وجود فاعل ومفعولين ، وليس لهم إلى إيجاد ذلك سبيل .

وأما قول ثعلب فإنّ ( هو) في قولهم : فإذا هو إياها، عماد. فباطل عند الكوفيين والبصريين ؛ لأن العماد عند الكوفيين الذي يسميه البصريين الفصل – يجوز حذفه من الكلام ولا يختل معنى الكلام بحذفه ، ألا ترى أنك لو حذفت العماد الذي هو الفصل من قولك : "كان زيد هو القائم" فقلت : "كان زيد القائم" لم يختل معنى الكلام بحذفه، وكان الكلام صحيحاً ، وكذلك سائر الأماكن التي يقع فيها العماد الذي هو الفصل يجوز إثباته، ولو حذفته من قولهم: فإذا هو إياها لاختلّ معنى الكلام وبطلت فائدته فيه ؛ لأنه يصير "فإذا إياها" وهذا لا معنى له ولا فائدة منه ؛ فبطل ما ذهبوا إليه (3) .

ومن النحاة الذين بحثوا هذه المسألة طويلاً ، وبينوا أوجهها والرد على كلا الطرفين المتصارعين فيها ، ابن هشام الأنصاري في كتابه (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب)، فقال ابن هشام بعد شرحه هذه المسألة:" وسيبويه وأصحابه لا يلتفتون لمثل ذلك ، وإن تكلم بعض العرب به" (4) .

اختلاف الروايات.

إنَّ المتتبع لمتن المسألة الزنبورية في مختلف الروايات يلمس اختلافاً واضحاً في المتن ، وذلك لكثرة ترددها على ألسنة النحاة واللغويين والأدباء ، ومحاولة الكثير منهم إثبات المناظرة في كتبهم .

والملاحظ على هؤلاء الأدباء والنحاة ، اللجوء إلى إثبات هذه المناظرة كواقعة تاريخية في تاريخ النحو العربي ، وعلى اعتبار أنها تريد أن ترسي أصلاً من أصول المدرسة الكوفية وهو الأخذ باللغات الشاذة المخالفة لأقيسة المدارس الأخرى كالبصرية من جهة ، وللشائع على أفواه العرب من جهة ثانية (5) .

كما أنّ المتتبع للتاريخ الزمني والتاريخي لمصادر هذه المناظرة ، يرى ورودها عند أقدم النحاة ، أمثال: الزجاجي (ت 337هـ) في كتابه مجالس العلماء ، والزبيدي (ت 379هـ) في كتابه طبقات النحويين واللغويين ، والخطابي (ت 388هـ) في رسالته عن إعجاز القرآن التي نشرت ضمن كتابة ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ، ومحمد بن مسعر التنوفي المعري (ت 442هـ) في كتابه تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين ، وفي عصور لاحقة وردت هذه المناظرة عند أبي البركات الأنباري (ت 577هـ) في الإنصاف في مسائل الخلاف ، وجمال الدين أبي الحسن علي بن يوسف القفطي (ت 624هـ) ، وياقوت الحموت (ت 262هـ) في معجم الأدباء ، وفي قرون لاحقة وردت عند ابن هشام الأنصاري (ت 722هـ) في كتابه مغني اللبيب وأبي حيان الأندلسي (ت 745هـ) في تذكرة النحاة ، والسيوطي (ت 911هـ) في بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة .

ومن المحدثين الذين تناولوها سعيد الأفغاني في كتابه من تاريخ النحو ، ولكن دون الوقوف على مدى صحة الأحداث التي دارت فيها وإثباتها. وذكرها محمد الطنطاوي في كتابه (نشأة النحو) . وعبد الفتاح الدجني ، في كتابه (ظاهرة الشذوذ في النحو العربي) . وعلي النجدي ناصف في كتابه (سيبويه إمام النحاة) . مع الوقوف على تفصيلات ما جاء فيها من آراء نحوية .

لكن، الملاحظ على كثرة ترددها على ألسنة العلماء، أن الرواية وتناقلها من شخص إلى آخر قد أثر في متنها مما أدخل فيها كثيراً من التصحيف والتحريف. فالصورة الأولى التي وردت عليها المناظرة تشير إلى قدوم سيبويه على البرامكة في حضرة هارون الرشيد ليناظر شيخ الكوفة آنذاك الكسائي ، ولكن قبل حضوره بأيام دارت بينه وبين علي بن المبارك الأحمر ( تلميذ الكسائي) مناظرة أخرى خطأه فيها علي بن المبارك الأحمر ثلاث مرات إلى أن أتى الكسائي . وقال له : ماذا تقول في أنّ العقرب أشد لسعة من الزنبور ، فإذا هو هي أو فإذا هو إياها . فقال سيبويه : فإذا هو هي، ولا يجوز النصب . لكن رأي الكسائي كان على الوجهين ، النصب والرفع ، وخرج بعدها سيبويه باتجاه بلاد فارس إلى أن مات فيها .

وقد دخل هذه الرواية الكثير من التصحيف مبكراً ، حيث وردت عن الزبيدي في كتابه (طبقات النحويين واللغويين) بزيادات كثيرة منها طرح الأمثلة التي تؤيد رأي الكسائي وفي حديث الأعراب الذين كانوا يقفون خلف باب القصر .

وفي (مجالس العلماء) للزجاجي أنّ هؤلاء العلماء سئلوا عن المسائل التي جرت بين الكسائي وسيبويه دون ذكر هذه المسائل، وفي (طبقات) الزبيدي أن هناك أكثر من طائفة ، خلف هذا الباب ، فطائفة منهم قالت : فإذا الزنبور هي ، وهذا يدل على دلالة واضحة على أن تأييدهم لرأي سيبويه . وقالت أخرى: إياها بعينها ، وهذا لم يرد في الورود الأول لهذه المناظرة .

أما محقق كتاب (تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين) الدكتور عبد الفتاح محمد الحلو . فقد قارنها بما ورد في كتاب مجالس العلماء) لأبي القاسم الزجاجي ، وأثبت من خلال ذلك أنه دخلها التحريف في بعض الكلمات: المفردة والجمل والفقرات نحو :

النحو

النوع

خرجت

بلديكما

اجتمعت

فخرجت

بلدكما

جمعتهم

ومن التحريف الذي ورد في هذه المناظرة ما ذكره التنوخي المعري في أنّ الفقرة الآتية لم يجدها أثناء قراءته لمجالس الزجاجي فذكر: قال أبو القاسم : ونقول في ذلك : أما حكاية الفراء عن الأحمر عن المسائل ، وأنه قد أجاب ، فقد شهد بإجابته ولم يلتفت إلى قوله: أخطأت ، وأيضاً فلم يذكر المسائل والجواب ليعلم وجه الخطأ من الصواب . وهذا كلام أبي القاسم ومعناه .

ومنه أيضاً ، قلت : فذلك الجواب عن قول الفراء ، كيف يقول على مذهب من قال : هؤلاء أبون ، ورأيت أبين مثله من وأيت ، وأويت . قد كان يجب أن يكون ذكر تقديره الذي أخطأ فيه ثلاثاً ليعلم خطأ أم صواب، كما ذكر جوابه عن مسألة الكسائي ، وهو الذي لا يجوز عند أحد من البصريين غير ما قال ، فهم أيضاً يروونه صواباً ، وإنما يجيزون النصب في قولهم: "كنت أظن الزنبور أشد لسعة من العقرب ، فإذا هو هي ، فيقولون : "فإذا هو إياها ، يأتون بالكناية عن المنصوب ، وأراهم إنما حملوا ذلك على إجازتهم الحال أن يكون معرفة (6) .

ولم يقف الأمر عند المتأخرين بل في القرن نجد أنه قد دخلها التحريف على يد الخطيب البغدادي في كتابه (تاريخ بغداد أو مدينة السلام) . حيث ورد التغيير في بعض الجمل والعبارات وإدخال بعضاً آخر لم يكن من قبل في الروايات التي سبقته .من مثل :

في جمع الأدب على قول الشاعر :

وكان بنو فزارة شرّ عم وكنت لهم بني الأخينا .

كيف نمثل مثال: من أويب ؟

وقوله : فقال يحيى : أنتما عالمان ليس فوقكما أحد يستفتي ، ولا يبلغ هذا العلم مبلغكما أحد ، نشرف على الصواب من قولكما .

كما ونجد التغيير في طبيعة العبارة الآتية مقارنة بما ورد في: مجالس العلماء ، وتاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين ،وثلاث رسائل في إعجاز القرآن . قوله : فما الذي يقطع ما بينكما ؟ فقال الكسائي : العرب الفصحاء المقيمون على باب أمير المؤمنين الذين نرتضي فصاحتهم ، نحضرهم، فنسألهم عما اختلفنا فيه ، فإن عرفوا النصب علمت أن الحق معي ، وإن لم يعرفوه علمت أنّ الحقّ معه . فأشار إلى بعض الغلمان ، فلم يكن إلا ساعة حتى حضر منهم خلق كثير (7) .

وفي هذا اختلاف كثير واضح عما ورد على لسان الكسائي في أقدم روايات المناظرة (المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام Icon_cool . ولعل رواية الخطيب البغدادي في لغتها من أضعف الروايات القديمة التي وردت عليها هذه المناظرة . حيث يلاحظ الباحث أن البغدادي قد قام بزج هذه الرواية ليطيل الحديث عن علي بن المبارك الأحمر النحوي صاحب علي بن حمزة الكسائي مع ما حدث فيها من تحريف إذا ما قورنت بالمصادر التي وردت فيها هذه المناظرة من قبل .

وفي (تذكرة النحاة) لأبي حيان الأندلسي ، وردت هنا المناظرة بطرق متعددة ، وفيها بعض التحريف ، حيث أشار في طريقة ما إلى وجود الكسائي أصلاً في حضرة هارون الرشيد ووزيره يحيى بن خالد البرمكي ، ثم يشير تحت عنوان المسألة الزنبورية إلى استدعاء هارون الرشيد للشيخ الكسائي ليناظر شيخ البصرة سيبويه ، وهذا ما يتفق بعض الشيء مع ما ورد في بعض المراجع والمصادر ، (كإنباه الرواة) للقفطي ، إلى عدم وجوده وأن المناظرة قد قامت بداية بين سيبويه والفراء ، لكنها اعتبرت مناظرة بين طرفي المصرين لأنها مثلت مذهب كل منهما ، مذهب الكسائي والفراء ، ومذهب سيبويه .

ويلاحظ من خلال قراءة المناظرة في مختلف مصادرها أن النحاة الذي ألفوا في تاريخ النحو ، كانوا ينقلون نقلاً مباشراً عمن سبقهم دون توثيق المعلومات وكأنهم يكتفون بالنحوي الذي سبقهم .

إنّ الدارس لهذه المناظرة ولأراء سيبويه والكسائي فيها يغلب منه الحدّة والعنف والمبالغة ، "ولا يرى لشيء منهما داعياً ولا مسوغاً ، فالذين ردووا التهمة جمهرة كبيرة ، وليس من النحويين وحدهم ، ولكن من المؤرخين كذلك ، ولم أر منهم من ينكرها أو يستبعد وقوعها مما يوحي على الأقل بالتوقيف فيها والتسليم بإمكان حدوثها . وهم وإن اختلفوا في تصوير وقائع التهمة ، لا يختلفون في حقيقتها وأن المحكمين اتبعوا الهوى ، ومالوا بالحكم عن وجهه المستبين ، وليس بالمستساغ ولا بالهين أن يرمي كل أولئك جملة واحدة بالجهل والتعصب الأعمى من غير بينة قائمة، ولا حجة قاطعة (9) .

ومن جانب آخر فإنه يروى أن الرشيد كان شديد الرغبة في سماع مناظرات الأدباء ، وكان يعقد المجالس الخاصة بهم ، فقد كان يجلس الكسائي ومحمد بن الحسن على كرسي بحضرته ، ويأمرهما أن لا ينـزعجا لنهضته ، ويطارح الرواة ويناشدهم الأشعار ويذاكرهم به ، فحفظ بعض دواوين الشعراء الأقدمين من جاهليين وإسلاميين ، حتى أنه في نهاية الأمر يتخذ راوياً له ينشده إياها ، وهو محمد الرواية المعروف بالبيدق . حتى نمت سليقته وبرع في تحليله الشعر وحتى نظمه في المناسبات .

ويقول الأصمعي : دخلت على الرشيد وهو محموم ، فقال : أنشد شعراً مليحاً ، قلت ، أرصيناً يريده أمير المؤمنين أم شجناً سهلاً ؟ قال : غزلاً بين الفحل والسهل ، فأنشدته قول ابن الفرخ العجلي :



صحا عن طلاب البيض قبل مشيبه
وعاني له يوماً هوى فأجابه
لمستأنسات بالحديث وكأنّه





وراجعَ غض الطرف فهو خفيض
فؤاد إذا يلقى المراض مريض
تهلّلُ غرٍّ برقهن وميض



فقال لي : أعدها . فما زلت أكررها عليه حتى حفظها (10) .

و من شعر الرشيد ، وقد كانت له جارية تدعى (هيلانا) فماتت ، فرثاها قائلاً :



قاسيتُ أوجاعاً وأحزاناً
فارقت عيشي حين فارقتها
كانت هي الدنيا فلما ثوت
قد كثر الناس ولكنني
والله لا أنساك ما حركت





لما استخصَّ الموت هيلانا
ما أبالي كيفما كانا
في قبرها فارقت دنيانا
لست أرى بعدك إنسانا
ريح بأعلى نجد أغصانا (11).





كما أن فترة حكم هارون الرشيد في الخلافة زادت عن العشرين سنة ، إذ علمنا أنه تولى الحكم سنة (170هـ) ، وتوفى سنة (192هـ) ، وهذا كفيل بأن يكوّن ثروة من الأدب ومجالسة الأدباء والعلماء ، والتزين بزي الأدب وأن يلتقي بعالم مثل سيبويه .

أما بالنسبة للفترة التي عاشها سيبويه من العمر ، فهي أيضاً كفيلة بأن يلتقي بمجموعة من العلماء والأدباء ، ويناظر الكثير منهم ، ويرحل إلى بغداد . ومهما اختلفت المصادر في سنة وفاة سيبويه ومكان وفاته، ولكن أقدم المصادر التي أشارت إلى سنة وفاته ومنها كتاب "تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين" وغيرهما تشير إلى أنه توفي بعد انصرافه من بغداد سنة ثمانين ومائة للهجرة.



أثر منطق القوة في توجيه المسألة.

يعدّ منطق القوة من الموجهات الأساسية المؤثرة القوية في جميع مناحي الحياة: الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية...، لذلك أرى أن منطق القوة لعب دوراً كبيراً في هذه المناظرة الخطيرة ، لأنها حكم بين المصرين ، لا بين رجلين ، أي بين الكوفة والبصرة ، لا بين الكسائي وسيبويه . وأن العرب لم توافق الكسائي إلا لعلمهم أنه ذو سلطة وحظوة عند هارون الرشيد وحاشيته ، من ذلك : يذكر أنّ هارون الرشيد" أشرف على الكسائي وهو لا يراه، فقام الكسائي ليلبس نعله لحاجة يريدها، فابتدرها الأمين و المأمون ، وكان مؤدبهما ، فوضعاها بين يديه فقبّل رؤوسهما وأيديهما ثمّ أقسم عليهما ألاّ يعاودا ، فلما جلس الرشيد مجلسه قال: أيّ الناس أكرم خدما؟ قالوا: أمير المؤمنين أعزه الله . قال: بل الكسائي ،يخدمه الأمين والمأمون، وحدثهم الحديث"(12).

وبالفعل وكما هو مقرر عند الدارسين أنّ الكوفيين استأثروا بالسلطان ، ونالوا الحظوة لدى الحاكمين، لذلك حاولوا أن يسدوا الطريق على غيرهم من الطامحين بنيل عطاء الخلفاء و رضاهم (13). قال سعيد الأفغاني:" فلما قرّب العباسيون الكسائي وخصّهم بتربية أولادهم و بالإغداق عليهم إذ كان أهل الكوفة بالجملة أخلص لهم وأحسن سابقة معهم على عكس أهل البصرة ، اجتهد المقربون في التمسك بدنياهم التي نالوها ، ووقفوا بالمرصاد للبصريين الذين يفوقونهم علما فحالوا بينهم وبين النجاح المادي و المعنوي بكل ما يستطيعون من قوة "(14) وأضاف الأفغاني:" وإذا كان لبصريّ كالأصمعي مثلا حظوة عند خليفة ولم يقدروا على إبعاده ماديا ، اجتهدوا في الغض من علمه"(15)

لذلك روي أنّ العرب الذين استشهد بهم الكسائي قالوا: القول قول الكسائي بأمر من رجال الدولة، ولم ينطقوا بالنصب لأنه لا يطاوع ألسنتهم ، ولذا طلب سيبويه أن يأمَروا بالنطق بها ولكن لم يستمع له ولم يستجب له ، جاء في كتاب (تاريخ آداب العرب): أن جماعة الكسائي قد جاءت بالأعراب الذين كانوا بالباب يومئذ ، وهم أبو فقعس ، وأبو دثار ، وأبو الجراح ، وأبو ثروان ، فوافقوا الكسائي ، ويقال أنهم أَرشوا على ذلك ، أو أنهم علموا منـزلة الكسائي عند الرشيد وبلاط الحكم ، فنظروا إلى المنـزلة ، ويقال: إنهم لم ينطقوا بالنصب وأَنْ سيبويه قال ليحيى : مرهم أنْ ينطقوا بذلك ، فإن ألسنتهم لا تطوع به (16) .

ويشير شوقي ضيف إلى أنّ العرب الذين كانوا بالباب "نفر من عرب الحطمة النازلين ببغداد ، ممن ليسوا في درجة عالية من الفصاحة ، فطلب الكسائي سؤالهم ، ولما سئلوا تابعوه في رأيه ، فأنكر سيبويه ما قاله الرواة ، وإن كنّا نتّهم قولهم ، لأن الحق كان في جانبه لما يقتضيه القياس في هذا الموضع ، ولأنه يطرد الرفع في آي الذكر الحكيم من مثل قوله تعالى:" ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين" (17)، أو قوله تعالى : "فإذا هم خامدون" (18) وكأنها هي وما بعدها مبتدأ وخبر ، أما النصب فيكون على الحالية ، وتوجيهه ضعيف"(19). يقول سعيد الأفغاني:" ولم يختلف البصريون حتى اليوم في أن القول ما قال سيبويه وأن الموضع ليس بموضع نصب"(20).

وقد نقل عن الأصمعي ، أن هؤلاء الأَعراب كانوا ينـزلون بقطر بل - إحدى متنـزهات بغداد ، اشتهرت بالخمر وأسباب اللهو - وأنّ الكسائي لما ناظر سيبويه استشهد بلغتهم ، لذلك عاب أبو زيد سعيد بن أوس على الكسائي فقال:" قدم علينا الكسائي البصرة فلقي عيسى و الخليل وغيرهما ، وأخذ منهم نحوا كثيرا ثم صار إلى بغداد فلقي أعراب الحطمية، فأخذ عنه الفساد و اللحن فأفسد بذلك ما كان أخذه كله(21). وقال أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي في حق الكسائي وأشياعه: (22)

كنا نقيس النحو فيما مضى
فجاء أقوام يقيسونه
إنّ الكسائي وأصحابه





على لسان العرب الأول
على لغي أشياخ قطربل
يرقون في النحو إلى أسفل(23).





وقد "روى العسكري عن أبي زيد أن الكسائي المتوفى سنة (189هـ) بعد أن أخذ العلم الصحيح عن أساتذة البصرة ، خرج إلى بغداد ، فقدم أعراب الحُليمات وهم غير فصحاء ، فأخذ عنهم شيئاً فاسداً ، فخلط هذا بذاك فأفسده ، وهذا الفساد ظاهر المعنى كما ترى" (24). وإليهم أشار القفطي ، الأعراب الذين شهدوا من أعراب الحطمة الذين كان الكسائي يقوم ويأخذ عنهم (25).

وقد ختم ابن الشجري كلامه في مجلس هذه المسألة بأنَّ الكسائي إنما قصد سؤال عما علم أنه لا وجه له في العربية ، واتفق هو والفراء على ذلك ، ليخالفه سيبويه فيكون الرجوع إلى السماع فيقطع المجلس عن النظر والقياس (26).

ويشير أبو البركات الأنباري إلى أن قول هؤلاء الأعراب - الذين استشهد بهم الكسائي - شاذ ولا يؤخذ به ، ويخرج عن القياس ؛ فقال: "على أنه روي أنهم أُعْطُوا على متابعة الكسائي جُعْلاً فلا يكون في قولهم حجة لتطرق التهمة في الموافقة" (27) .

ويعزو أبو زيد فساد علم الكسائي إلى الأعراب الذين تلقى عنهم اللغة ، فقال : "قدم علينا الكسائي البصرة ، فلقى عيس والخليل وغيرهما ، وأخذ منهم نحواً كثيراً ، ثم صار إلى بغداد فلقي أعراب الحطمة ، فأخذ عنهم الفساد من الخطأ واللحن ، فأفسد بذلك ما كان أخذه بالبصرة كله" (28).

وقد تعرض الكوفيون بسبب الأعراب الذين رووا عنهم اللغة إلى هجوم شديد تجاوز جادة الصواب أحياناً وتعبيراً عن العصبية قال أبو الطيب اللغوي : "لم يكن لجميع الكوفيين عالم بالقرآن ولا كلام العرب ، ولولا أنّ الكسائي دنا من الخلفاء فرفعوا ذكره لم يكن شيئاً ، وعلمه مختلط بلا حجج ولا علل ، إلا حكايات الأعراب مطروحة لأنه كان يلقنهم ما يريد وهو على ذلك أعلم الكوفيين بالعربية والقرآن وهو قدوتهم وإليه يرجعون" (29) .



وبعد، فيظهر مما تقدم أن جانب منطق القوة كان له أثر واضح في الحياة العقلية والنحوية ، وأن طبيعة الحياة السياسية قد أدت في نهاية الأمر إلى حدوث اختلاف و مناظرات في النحو، يقول أحمد أمين في كتابه " ضحى الإسلام" :" توّج نحو البصرة بسيبويه ، ونشأت بالكوفة مدرسة وعلى رأسها أبو جعفر الرؤاسي ، وتلميذاه : الكسائي و الفراء ... وبدأت من ذلك الحين مدرسة الكوفة تناظر مدرسة البصرة .. وصار لكل مدرسة علم تنحاز إليه كل فرقة، ويظهر أنّ هذه العصبية العلمية بين المدرستين كانت مؤسسة على العصبية السياسية التي ظهرت بين البلدين "(30) نحو المسألة الزنبورية التي حدثت بين الكسائي وسيبويه، والتي أرست في نهاية الأمر مبادئ وقواعد كل من المدرستين أو المذهبين . قال ابن هشام الأنصاري بعد شرحه هذه المسألة : " وليس هذا ما يخفي على سيبويه ولا على أصاغر الطلبة ، ولكن كما قال أبو عثمان المازني: دخلت بغداد فألقيت عليّ مسائل فكنت أجيب فيها على مذهبي ويخطئونني على مذهبهم وهكذا اتفق لسيبويه رحمه الله"(31). فالمسألة ظاهرها نحويّ وباطنها التسيد والقوة ، حيث انتصر الكسائي انتصار القوي المتسلح بسلاح الخليفة في تأييد رأيه، ولأنه يطرد الرفع في آي الذكر الحكيم من مثل قوله تعالى:" ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين"، أو قوله تعالى : "فإذا هم خامدون" وكأنها هي وما بعدها مبتدأ وخبر ، أما النصب فيكون على الحالية ، وتوجيهه ضعيف (32) . يقول سعيد الأفغاني:" ولم يختلف البصريون حتى اليوم في أن القول ما قال سيبويه وأن الموضع ليس بموضع نصب"(33)، وهو الأصح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المدرسة البنيوية ، قراءة في المبادئ والأعلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فضل قراءة القرآن
» فرصة قراءة سورة الكهف
» قراءة فى تاريخ الشذوذ الجنسى
» المدرسة
» هند صبري بلبس المدرسة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات جيل المستقبل  :: منديات التعليم المتوسط :: كلام في الادب -التعليم - الطالبات - الطلاب -
انتقل الى: