الدكتور محمد علي عباس الخفاجي
ولادته:
ولد صعصعة بن صوحان بن حُجْر العبدي سنة 24 قبل الهجرة النبوية ، وكان مسلماً على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يره .
كان من كبار أصحاب الإمام علي ( عليه السلام ) ، ومن الذين عرفوه حقّ معرفته كما هو حقّه ، وكان خطيباً بليغاً .
أثنى عليه أصحاب التراجم بقولهم : كان شريفاً ، أميراً ، فصيحاً ، مفوّهاً ، خطيباً ، لسناً ، ديّناً ، فاضلاً .
نفاه
عثمان إلى الشام مع مالك الأشتر ورجالات من الكوفة ، وعندما ثار الناس على
عثمان ، واتفقوا على خلافة الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قام هذا
الرجل الذي كان عميق الفكر ، قليل المثيل في معرفة عظمة علي ( عليه السلام
) فعبّر عن اعتقاده الصريح الرائع بإمامه ، وخاطبه قائلاً : ( والله يا
أمير المؤمنين ! لقد زيّنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ، ولهي
إليك أحوج منك إليها ) .
وعندما أشعل موقدو الفتنة فتيل
الحرب على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الجمل ، كان إلى جانب الإمام
، وبعد أن استشهد أخواه زيد وسيحان اللذان كانا من أصحاب الألوية ، رفع
لواءهما وواصل القتال . وفي حرب صفّين ، كان رسول الإمام ( عليه السلام )
إلى معاوية ومن اُمراء الجيش وراوي وقائع صفّين ، كما وقف إلى جانب الإمام
( عليه السلام ) في حرب النهروان ، واحتجّ على الخوارج بأحقّيّة إمامه
وثباته . وجعله الإمام ( عليه السلام ) شاهداً على وصيّته ، فسجّل بذلك
فخراً عظيماً لهذا الرجل . ونطق صعصعة بفضائل الإمام ومناقبه أمام معاوية
وأجلاف بني اُميّة مراراً ، وكان يُنشد ملحمة عظمته أمام عيونهم المحملقة
، ويكشف عن قبائح معاوية ومثالبه بلا وجل ،
وكم أراد منه معاوية أن يطعن في علي ( عليه السلام ) ، لكنّه لم يلقَ إلاّ الخزي والفضيحة ، إذ جُوبِه بخطبه البليغة الأخّاذة.
آمنه
معاوية مكرهاً بعد استشهاد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وصلح الإمام
الحسن ( عليه السلام ) ، فاستثمر صعصعة هذه الفرصة ضدّ معاوية ، وكان
معاوية دائم الامتعاض من بيان صعصعة الفصيح المعبّر وتعابيره الجميلة في
وصف فضائل الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، ولم يخفِ هذا الامتعاض
.
كفى في عظمته قول الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (ما كان مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من يعرف حقّه إلاّ صعصعة وأصحابه) .
موقفه من الخليفة الثالث :
في
الأمالي للطوسي عن صعصعة بن صوحان : دخلت على عثمان بن عفّان في نفر من
المصريّين ، فقال عثمان : قدّموا رجلاً منكم يكلّمني ، فقدّموني ، فقال
عثمان : هذا ، وكأنّه استحدثني . فقلت له : إنّ العلم لو كان بالسنّ لم
يكن لي ولا لك فيه سهم ، ولكنّه بالتعلّم .
فقال عثمان :
هات ، فقلت : بسم الله الرحمن الرحيم ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي
الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ وَأَمَرُواْ
بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ
الْأُمُورِ ) . فقال عثمان : فينا نزلت هذه الآية .
فقلت له : فمر بالمعروف وانه عن المنكر .
فقال عثمان : دع هذا وهات ما معك .
فقلت
له : بسم الله الرحمن الرحيم ( الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم
بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله ) إلى آخر الآية .
فقال عثمان : وهذه أيضاً نزلت فينا.
فقلت له : فأعطنا بما أخذت من الله .
فقال
عثمان : يا أيّها الناس ، عليكم بالسمع والطاعة ، فإنّ يد الله على
الجماعة وإنّ الشيطان مع الفذّ ، فلا تستمعوا إلى قول هذا ، وإنّ هذا لا
يدري مَن الله ولا أين الله .
فقلت له : أمّا قولك : (
عليكم بالسمع والطاعة ) فإنّك تريد منّا أن نقول غداً : ( رَبَّنَآ إِنَّآ
أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ) ، وأمّا
قولك : ( أنا لا أدري من الله ) فإنّ الله ربّنا وربّ آبائنا الأوّلين ،
وأمّا قولك : ( إنّي لا أدري أين الله ) فإنّ الله تعالى بالمرصاد .
قال : فغضب وأمر بصرفنا وغلق الأبواب دوننا .
وفاته :
نفاه معاوية إلى البحرين ، وتوفي فيها سنة 56 هـ ، وقيل غير ذلك ، ومزاره مشهور يزوره المؤمنون في جنوب ( المنامة ) ، عاصمة البحرين