نورالدين واليحين نائب المدير العام
علم الدولة : عدد الرسائل : 4845 العمل/الترفيه : كاتب صحفي و مذيع و اخصائي في الطب البديل مدرب دولي معتمد في التنمية البشرية الدولة : الجزائر تاريخ التسجيل : 12/01/2009 نقاط : 5079
| موضوع: تفسير القرآن الكريم - تفسير سورة الأنعام لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي الأحد ديسمبر 12, 2010 1:19 pm | |
| تفسير القرآن الكريم - تفسير سورة الأنعام لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي
من تفسير سورة الأنعام (006) : الآيات 95 – 97 : لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الأكارم ، مع الدرس الرابع والثلاثين من دروس سورة الأنعام ، ومع الآية الخامسة والتسعين ، وهي قوله تعالى :
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة الكرام ، بعد أن بين الله جل جلاله ما يتعلق بالتوحيد توحيد الربوبية والألوهية ، وبعد ما بين رسالات الأنبياء أراد أن يلفت نظرنا إلى ما به استمرار حياتنا ، لأن الله سبحانه وتعالى منحنا نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، أوجدنا ، ثم أمدنا بما نحتاج أمدنا بالهواء ، بالماء ، بالطعام ، بالشراب ، بالمأوى ، بكل ما نحتاج .
الآن بعد التوحيد ، وبعد الرسالات ننتقل إلى النعم التي أسبغها الله علينا ، النعمة الكبرى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ ، أما كلمة : ﴿ اللَّهَ ﴾ فعَلَم على الذات ، الله عز وجل له أسماء حسنى ، وصفات فضلى ، هو رحيم ، هو قوي ، هو عليم ، هو خبير ، هو لطيف ، هو قادر هو مقتدر ، هو حليم ، هو جبار ، هو متكبر ، تقتضي أفعاله صفات كثيرة ، ففي خلقه حكمة ، وفي خلقه رحمة ، وفي خلقه قوة ، وفي خلقه علم ، وفي خلقه حلم ، فأفعاله جل جلاله تقتضي صفات كثيرة ، لأنه الحي القيوم ، هو الخالق وهو القيوم .
أحياناً تنشئ بيتاً وتتركه ، تصنع طائرة وتبيعها ، تصنع مركبة وتصدرها ، تنشئ مشروعاً وتسلمه ، لكن الله سبحانه وتعالى حي قيوم .
( سورة الزمر ) .
( سورة الأعراف الآية : 54 ) .
طائرة مقاتلة تُباع ، لكن الذي اشترها هو الذي يأمرها ، يأمرها أن تقصف ألا تقصف ؟ أن تدمر ألا تدمر ؟ فالذي صنعها ، صنعها وسلمها ، صنعها وباعها .
لكن لله المثل الأعلى ، الله عز وجل حي قيوم ، يعني مصدر حياة الكون ، وهو قيوم عليه .
( سورة هود الآية : 123 ) .
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ ، إذاً الله عز وجل بتعبير علماء العقيدة علم على الذات ، إن أردت أن تقول : الله رحيم ، غفور ، كريم ، قوي ، حليم ، حكيم ، متكبر ، جبار ، كل هذه الأسماء ، أو تلك الصفات يمكن أن تجمع بالعَلَم على الذات ، في الله ، فأنت أحياناً يجب أن تقول : بسم الله العليم ، إذا كنت تريد أن تفهم قضية .
( سورة الأنبياء الآية : 79 ) .
وأحياناً تجابه عدواً شرساً ، تقول : بسم القوي ، وأحياناً تريد رحمة من الله ، تقول : بسم الرحيم ، أما إذا قلت : بسم الله ، فالله سبحانه وتعالى علَم على الذات ، كل الصفات التي يتصف الله بها جمعت في كلمة الله ، إذاً الله عَلَم على الذات .
الله عز وجل ما قال : إن الرحيم فالق الحب والنوى ، رحمنا فهيأ لنا طعاماً ، ما قال : إن الرزاق فالق الحب والنوى ، ما قال : إن القوي فالق الحب والنوى ، ما قال : إن العليم فالق الحب والنوى ، قال : ﴿ إِنَّ اللَّهَ ﴾ ، لأن فلق الحب والنوى يحتاج إلى إله عظيم ، عليم ، حكيم ، قوي مقتدر ، لطيف ، كل صفات الإله عز وجل في خلقه موجودة ، هذا ينقلنا إلى أن الله عز وجل إذا تحدث عن ذاته العلية جاء الحديث بالمفرد .
( سورة طه ) .
أما إذا تحدث عن أفعاله :
( سورة ق الآية : 43 ) .
( سورة الحجر ) .
فالله عز وجل يقول : ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ ، كلكم يعلم أن القمح هو الثمرة ، والثمرة نفسها تزرع بأكملها ، فالحب كالقمح والشعير والأرز ، أما النوى فالتمرة لها نواة ، والخوخة لها نواة ، وحب المشمش لها نواة ، يعني لها بزرة ، فإن ﴿ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ .
أيها الإخوة ، قضية البذور من أعظم الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل ، حبة القمح فيها رشيم ، والرشيم كائن حي ، وقد استخرجوا من أهرامات مصر قمحاً مخزناً قبل 6000 عام ، فلما زرع نبت ، هذا الرشيم ، الجزء الحي من البذرة ، ومن علّم النملة أنها إذا خزنت القمح تأكل الرشيم ؟ لئلا ينبت القمح فيدمر بيوتها ، ومن علم النملة أيضاً أن بعض البذور لها رشيمان ، تأكل النملة الرشيمين معاً لئلا تنبت ، فالرشيم هو الكائن الحي في البذرة ، لمجرد أي يصيب البذرة رطوبة فلقتا النواة تنشقان عن سويق وجذير ، شعرة خضراء نحو الأعلى ، وأختها نحو الأسفل ، سويق وجذير ، فإن كانت الحبة على صخر من يصدق ذلك ؟ يستطيع هذا الجذير أن يخرق الصخر ، ينتهي الجذير بقلنسوة ، كرة صغيرة جداً تفرز مادة تذيب الصخر ، إذا ذهبتم إلى جبال ترى الصخر قد شق ، وتسللت جذور النبتات في داخله .
فالله عز وجل يفلق الحبة أو النواة ، ﴿ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ ، من أين يتغذى السويق والجذير ؟ من الحبة نفسها ، الحبة نفسها تغذي السويق والجذير إلى أن يستطيع الجذير أن يأخذ الغذاء من التربة ، حجم الحبة حبة القمح أو حبة الشعير ، أو حبة الأرز ، أو حبة الفاصولياء ، أو حبة البازلاء ، هذه الحبة فيها غذاء يكفي لنمو السويق والجذير إلى أن يستطيع الجذير أن يمتص غذاءه من التربة مباشرة ، ويتجه نحو الأعلى ، طبعاً هناك في النبتات ، وفي علم النبتات حقائق مذهلة كثيرة جداً ، هذه بعضها ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ ﴾، صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات الفضلى هو الذي يفلق الحب والنوى .
الآن جوزة الهند كلها بذرة ، وفي الغرام الواحد من هذه البذور سبعون ألف بذرة ، الغرام الواحد من بعض نبتات الزينة فيه سبعون ألف بذرة ، لو أن بلدنا سوريا يحتاج إلى غرام واحد أن يستورده من هذه البذور ، من سبعين ألف بذرة إلى أن حبة جوز الهند بذرة واحدة ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ .
والحديث عن البذور أيها الإخوة شيء لا يصدق ، كل صفات النبات التفصيلة البالغة مئات الألوف مخزونة في الرشيم ، قد لا تنتبهون ، في بلدنا وحده ثلاثمئة نوع من العنب ، القمح عدد أنواع القمح ، 45 ألفًا ، التفاح مئات الأنواع ، ما معنى أنواع ؟ شيء مبكر ، شيء متأخر ، شيء حلوه كثيف ، شيء للتصدر ، شيء للاستهلاك ، الأنواع منوعة .
إخوانا الكرام ، يكاد النبات يكون أكبر الآيات الدالة على الله ، حتى أنه في بعض سور القرآن كلمة واحدة ، قال تعالى :
( سورة الأنعام الآية : 99 ) .
أنت من أجل أن تتنظف ، من أجل أن تستخدم شيئًا ينظف جلدك في الحمام نبات ليفي له سطح ناعم ، والخشن له سطح خشن ، من أجل أن تنظف أسنانك هناك نبات خاص لتنظيف الأسنان ، لتنظيف ما بين الأسنان ، وهناك نبات آخر لتنظيف الأسنان ـ السواك ـ و نبات يمكن أن يكون وعاءً ، كالنحاس تماماً ، ونبات يمكن أن يكون سبحة ، كراة مثقوبة ، ونبات يمكن أن يكون ورقاً ، ونبات يمكن أن يكون بين الجسمين القاسيين ـ مطاط ـ ، ونبات كثافته خفيفة جداً ـ الفلين ـ ، ونبات تصنع منه الأدوية ، ونبات يصنع منه الأثاث ، ونبات تصنع منه الأثاثات ، ونبات تصنع منه النوافذ ، والحديث عن النبات لا ينتهي ، حتى إن الله عز وجل قال : ﴿نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ، فمعظم حاجات الإنسان مشتقة من النبات ، حتى ثيابنا من القطن والكتان ، حتى أدواتنا من النبات ، حتى طعامنا من النبات ، قد تأكل أنت جزراً ، الجزر جذر ، وقد تأكل زهرة ـ الزهرة ـ زهر وقد تأكل ورقاً ، وقد تأكل جزعاً ، وقد تأكل أغصاناً ، فلذلك : ﴿ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ ، أعطانا مثلاً بين أيدينا ، هذه النواة ، وتلك الحبة كيف انشقت عن سويق وجذير ، وكيف هذا الغذاء الذي في الحبة أمد السويق والجذير حتى استطاعا أن يأخذا الغذاء مباشرة من الأرض ، والدليل : ضع حبات القمح على قطن مبلل ، وانظر ـ في البيت ـ ضع بعض حبات الفاصولياء على قطن مبلل كيف ينبت السويق ، وينبت الجذير ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ ﴾ بعلمه وبحكمته ، وبقوته ، وبرحمته ﴿ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى ﴾ .
﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ ، قد يسأل سائل : ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾ ، من أجل التناظر ، ﴿ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ ، نقول له : ﴿ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ تقابل الحب والنوى ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ ، طبعاً هذا الكلام على مستوى فهم الإنسان ، أنت ترى أن الخشب ميت ، هذا خشب جماد ، الحجر جماد ، البللور جماد ، الماء سائل ، لكن هذه النحلة فيها حياة تطير ، نحن نتوهم أن الشيء الذي يطير ، ويتحرك ، ويتنفس ،ويأكل هو الحي ، فإذا قال الله عز وجل :
( سورة القصص الآية : 88 ) .
معنى ذلك أن كل شيء فيه حياة ، كيف يهلك الرخام ؟ معنى فيه حياة ، لو تعمقنا أكثر ، وسألنا علماء الذرة لأعلمونا أن كل شيء في الكون مؤلف من ذرات تدور في مسارات حول نواة ، وإن نظام المجرة كنظام الذرة ، أو إن نظام الذرة كنظام المجرة ، كهارب تدور حول نواة بمسارات متعددة ، وحينما رتبوا عناصر الأرض تبين لهم أن كل عنصر له عدد من الكهارب يدور حول النواة ، وأن بين عنصرين الأول غازي ، والثاني صلب ، فرق كهروب واحد ، لذلك الحياة بالمفهوم العميق :
( سورة الأنبياء الآية : 30 ) .
﴿و كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ ﴾ ، إذاً فقد حياته ، فالحجر حي ، الحجر متحرك ، شيء قد يغيب عن الأذهان ، هذا ما يؤكده علماء الذرة ، الأجسام الصلبة فيها حياة وفيها حركة ، والماء فيه حياة ، وفيه حركة ، لكن نحن أَلِفنا أن الشيء الذي يتحرك ، ويأكل ، ويشرب هو الحي ، لكن الجماد أيضاً هو الحي ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ﴾ ، يعني يخرج نباتاً ينمو من تراب تظنه ميتاً ، وو في الحقيقة حي ، ﴿ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ ، لكن حينما نذكر صفات الله عز وجل في الرحيم ، في الودود ، في اللطيف ، في الحكيم ، في الغفور ، في الشكور ، هذه صفات الجمال ، وفي القوي ، وفي الجبار ، وفي المنتقم هذه صفات الجلال ، لذلك قال تعالى :
( سورة الرحمن ) .
بقدر ما ينبغي أن تخاف منه بقدر ما ينبغي أن تحبه ، تخافه وتحبه ، ﴿ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ ، لكنك في حياتك تحب ولا تخاف ،وقد تخاف ولا تحب ، قد تحب جهة ولا تخافها ، وقد تخاف جهة ولا تحبها ، ولكن الله عز وجل : ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ .
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ ، هو الذي خلقك ، هو الذي رباك من خلال أبيك وأمك ، ألقى محبتك في قلبيهما .
قصة رمزية : أحد أنبياء الله مشى بالطريق ، فرأى أماً تخبز خبزها على التنور ، ووضعت ابنها على طرف التنور ، فكلما وضعت رغيفاً في التنور ضمت ابنها ، وشمته ، وقبلته ، فقال هذا النبي : يا رب ، ما هذه الرحمة التي عند الأم ؟ قال : يا عبدي هي رحمتي أودعتها فيها ، فسأوريك ، القصة رمزية طبعاً ، فلما نزع الله الرحمة من قلب الأم ألقته في التنور .
بعض الحيوانات تربي أولادها ، ثم تأكلهم ، رحمة البشر من عند الرحمن الرحيم ، بل إن أرحم مخلوق على الإطلاق هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الله له :
( سورة آل عمران الآية : 59 ) .
( سورة الكهف الآية 58 ) .
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ ﴾ ، أمر ، ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ ، ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ .
أيها الإخوة ، قال عليه الصلاة والسلام ، وقد رأى أماً تقبل ولدها : (( أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا : لا ، وهي تقدر على ألا تطرحه ، فقال : الله أرحم بعباده من هذه بولدها )) .
[ متفق عليه ] .
الله عزوجل رحمن رحيم ، لكن كيف أن الأب يمتلئ قلبه رحمة ومحبة لابنه وهو طبيب ، وقد التهبت الزائدة عند ابنه ، كيف يأمر الأب أن يخدر هذا الابن ، وأن يشق بطنه ، وأن تستأصل الزائدة ، وبعد أن ينتهي مفعول المسكن تنشأ آلام لا تحتمل ؟ لأنه عالم ، قال :
( سورة مريم الآية : 45 ) .
بالمفهوم الساذج الأم إن كانت جاهلة تطعم ولدها طعاماً قد يسهم في مرضه ، لكن الأم المتعلمة تحرم ولدها أطيب الطعام إذا كان يسهم في تفاقم مرضه ، فالله عز وجل رحمن رحيم ، رحمن في ذاته رحيم في أفعاله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ ﴾ ، ذلكم الله ، منحك نعمة الإيجاد ، منحك نعمة الإمداد ، منحك نعمة الهدى والرشاد ، أمرك بيده ، جسمك بيده ، دماغك بيده ، فلبك بيده ، شريانك التاجي بيده كبدك بيده ، حركتك بيده ، أقرب الناس إليك بيده ، القوي بيده ، الضعيف بيده ، من كان فوقك بيده ، من كان دونك بيده ، وتعبد غيره ؟
((إني والجن والإنس في نبأ عظيم : أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري؟! )) .
[رواه الحكيم البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء ] .
((خيري إلى العباد نازل ، وشرهم إلي صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي ، وأنا الغني عنهم ، ويتبغضون إلي بالمعاصي ، وهم أفقر شيء إلي ، من أقبل علي منهم تلقيته من بعيد ، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب ، أهل ذكري أهل مودتي ، أهل شكري أهل زيادتي ، أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب ، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة بمثلها وأعفو وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها )) .
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ ﴾ ، الذي خلقنا ، والذي أمدنا ، والذي هدانا ، والذي يربينا ، ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ ، إلى أين تنصرفون ؟ إلى أين تتجهون ، إلى أين تتوجهون ، من تحبون غير الله ؟ على من تعتمدون ؟ على من تتكلون ؟ على من تعلقون الآمال ؟ من تخافون ؟ أيعقل أن تخافوا من غير الله ؟ وأن تعقدوا الأمل على غير الله ! وأن يرجو الإنسان غير الله ! وأن يثق بغير الله ! وأن يكون لغير الله ! .
إخوانا الكرام ، كلمة دقيقة : إن مما يشينك أن تكون لغير الله ، كم من إنسان محسوب على إنسان آخر ؟ كم من إنسان محسوب على هذه الجهة أو على تلك ؟ هو في خدمتها ، ولاءه لها ، وقته لها ، ذكاءه من أجلها ، طلاقة لسانه لها ، وهي جهة أرضية ، أيليق بالإنسان أن يكون لغير الله ؟.
"" خلقت لك ما في السماوات والأرض فلا تتعب ، وخلقتك من أجلي فلا تلعب ، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك عما افترضته عليك "" .
أيها الإخوة ، قال الله عز وجل في بعض الآثار القدسية : " كن لي كما تريد أكن لك كما تريد ، كن لي كما أريد ولا تعلمني بما يصلحك ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ثم لا يكون إلا ما أريد " .
﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ ، إلى أين ذاهب ؟ إلى أين ؟ إلى عبد حقير ، إلى عبد فقير ، إلى عبد لئيم ، إلى عبد يحتال عليك ، إلى عبد يبني مجده على أنقاض ، إلى عبد يأخذ منك ما يريد ، ثم يركلك بقدمه ، إن لم تكن عبد لله فأنت عبد لعبد لئيم ، الحمد لله الذي أخرجنا من ذل المعصية إلى عز الطاعة ، من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ، من جور الحكام إلى عدل الإسلام ، هكذا قال بعض صحابة رسول الله ، ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ .
( سورة الأنعام ) .
ظلام ، الظلام مخيف ، وفيه رهبة ، يأتي الصباح ترى كل شيء ، تأنس بكل شيء تنطلق إلى عملك ، الذي صمم هذا الجسم صممه ليعمل ثم ليستريح ، فلابد من حركة يعقبها سكون ، ولكن لا تسكن إذا كان من حولك متحركاً ، لذلك من الصعب جداً أن تنام في النهار ، لكن حكمة الله اقتضت أن الليل يسكن فيه جميع الخلق ، انعدمت الرؤيا ، فخلد كل إنسان إلى بيته ، لكن الحضارة الغربية جعلت الليل نهاراً والنهار ليلاً ، وساعة نوم في أول الليل تزيد في نفعها عن ساعات طويلة في آخر الليل ، فنحن قلبنا نهاراً ليلاً وليلنا نهاراً ، ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ﴾ ، من صمم أن الأرض كرة ؟ وأنها تدور حول نفسها ، وأن الشمس منبع ضوئي ، من صمم شكل الكرة ؟ لأنه لو أن الأرض مكعبة لجاء الضوء فجأة ، تستيقظ إلى صلاة الفجر الأشياء كلها في ظلام ، يأتي الضوء شيئاً فشيئاً ، وهذا يؤكد اسم اللطيف ، شيئاً فشيئاً إلى أن تشرق الشمس ، فإذا كانت الشمس أمام وجهك كان ضوءها مقبولاً ، تصور الشمس تشرق كما هي في كبد السماء ، لا تحتمل ذلك ، قرص الشمس وهو يغيب أو وهو يشرق لطيف جداً تنظر إليها براحة ، هذا اسم الطيف ، ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ﴾ ، الدنيا مضيئة ، أنت نشيط ، ومن يصدق أن في الإنسان ساعة بيولوجية هذه الساعة مربوطة بقعر العين ، فإذا كان الوقت نهاراً تنبهت هذه الساعة ، ومعها برمجة معقدة جداً ، نبض القلب يزداد في النهار عما هو في الليل ، إفراغ المثانة يزداد في النهار عما هو في الليل ، الضغط يزداد في النهار عما هو في الليل ، هرمونات النمو تزداد في الليل عما هو في النهار ، في برنامج معقد جداً لهذه الساعة .
لذلك لما يذهب الإنسان إلى بلد بعيد تضطرب هذه الساعة ، فأنت ذهبت إلى أستراليا مثلاً ، فأنت مبرمج على أن هذا الوقت ظلام ، ففي النهار تشعر بحاجة إلى النوم لا تواجه ، فإذا جاء الليل لا تنام أبداً ، لأن برمجة الساعة البيولوجية على دمشق ، فإلى أن تبرمج برمجة جديدة تحتاج إلى أيام ثلاثة ، كل إنسان يسافر إلى بلد بعيد يصبح نهاره ليلاً وليله نهاراً ، تعاني من شدة الميل إلى النوم في النهار لدرجة أنك لا تستطيع أن تفتح عينيك ، فإذا جاء الليل لا تنام أبداً ، إلى أن يمضي أيام ثلاثة فيعاد برمجة هذه الساعة ، من صمم هذه الساعة البيولوجية ؟ ومن أعطاها هذا البرنامج الدقيق ؟ .
عمل الدماغ ، نبض القلب ، ضغط الدم ، المثانة يتوقف عملها في الليل من أجل أن تنام نوماً مريحاً ، وهذا الصمت الليلي للمثانة في النهار لها برنامج آخر ، فكل أجهزة الجسم لها برنامج نهاري ، وبرنامج ليلي ، هذا مربوط بالساعة البيولوجية ، والساعة البيولوجية مربوطة بقعر العين ، من أجل أن تعلم هذه العين أن الوقت نهار أو ليل .
﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا× 60 × 24 النتيجة سرعة الضوء الدقيقة 299752 .
( سورة الرحمن ) .
هذه نظرية أنشطاين ، السرعة المطلقة في الكون هي سرعة الضوء ، وأي جسم سار مع الضوء أصبح ضوءاً وحجمه لا نهائيا ، وكتلته صفر ﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾ ، من يصدق أن أضخم أدق ساعة في العالم تضبط على مرور نجم ، فقد تزيد ثانية في العام أو تقل ثانية ، لكن النجم لا يزيد ولا ينقص ؟ بالثواني ، ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ﴾ ، نظام رياضي دقيق جداً يدور فيه القمر ، لو أن القمر يدور مع الأرض تماماً ما كان هلال وبدر ، الفارق بسيط ، كل يوم خمسون دقيقة ، وبهذا الفارق القمر يأخذ هذه المنازل من محاق ، إلى هلال ، إلى ربع ، إلى بدر ، من نظم هذا النظام ؟ من قنن هذه القوانين ؟ ﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ .
( سورة الأنعام ) .
الكون كم مجرة ؟ والله أيها الإخوة شيء يحير العقول ، بموسوعة علمية حديثة ناطقة 3000 مليار مجرة ، وكل مجرة فيها ملايين الملايين من النجوم ، ودرب التبابنة مجرة معتدلة متواضعة و﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ ﴾ وأي خلقت خصيصاً لكم ، الشمس تتسمع لمليون و300 ألف أرض ، وبين الشمس والأرض 165 مليون كم ، و هناك نجم صغير ببرج العقرب يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، الأرض والشمس و156 مليون كم ، والشمس تتسمع لمليون و300 ألف أرض هذه كلها تدخل مع المسافة في نجم اسمه قلب العقرب ، من أجل أن تعرفوا من هو الله ، ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ .
والحمد لله رب العالمين
نورالدين واليحين | |
|
fatima88 عضو نشيط
علم الدولة : المهنة : موظفة عدد الرسائل : 1250 العمل/الترفيه : المطالعة الدولة : الجزائر تاريخ التسجيل : 02/09/2010 نقاط : 2917
| موضوع: رد: تفسير القرآن الكريم - تفسير سورة الأنعام لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي الأحد ديسمبر 12, 2010 8:11 pm | |
| سلام الله عليكم جميعا : أولاّ الحمد الله على عودتك المباركة نورت المنتدى أخ نورالدّين ونشكرك من قلوبنا على هذه المعلومات القيمة والمفيدة وننّتظر منها الكثير جزاك الله خيرا ودمت في خدمة الكلمة الطيبة شكرا مرّة آخرى فطيمة88 | |
|
Admin المدير العام
علم الدولة : المهنة : استاذ عدد الرسائل : 3792 العمل/الترفيه : موظف الدولة : الجزائر تاريخ التسجيل : 05/12/2008 نقاط : 6990
| موضوع: رد: تفسير القرآن الكريم - تفسير سورة الأنعام لفضيلة الدكتور العلامة محمد راتب النابلسي الخميس ديسمبر 16, 2010 7:46 pm | |
| شكرا اخي نورالدين وبارك الله فيك
| |
|