سلام الله عليكم جميعا :
الحديث الأول
ترك الشبهات
عن أبي عبد الله النّعمان بن بشير _رضي الله عنهما_ قال : سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إنّ الحلال بيّن وإنّ الحرام بيّن ، وبينهما أمور مشتبهات لايعلمهنّ كثير من النّاس ، فمن إتّقى الشّبهات ، فقد إستبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام ، كالّراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ، ألا وإنّ حمى الله محارمه ، ألا وإنّ في الجسد مضغة وإذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ، ألا وهي القلب )).
مقدمة الحديث
هذا الحديث الشريف قاعدة من أعظم قواعد الدين الحنيف ،لأنه يحتوي على علوم الشريعة،ففيه الحلال وإجتناب الحرام والإمساك عن الشبهات وأيضا الإهتمام بشؤون القلب.
الشرح
قوله صلى الله عليه وسلم ( الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات ....إلخ)) إختلف العلماء في حد الحلال والحرام ، فقال أبو حنيفة _رحمه الله _ الحلال مادلّ الدّليل على حله . وقال الشافعي _رضي الله عنه_ : الحرام مادلّ على تحريمه . قوله صلى الله عليه وسلم ( وبينهما أمور مشتبهات )) أي بين الحلال والحرام أمور مشتبهة بالحلال والحرام ، فحيث أنتفت الشبهة إنتفت الكراهة وكان السؤال عنه بدعة ، وذلك إذا قدم غريب بمتاع يبيعه فلا يجب البحث عن ذلك ، بل ولا يستحب ،ويكره السؤال عنه .قوله صلى الله عليه وسلم ( فمن إتقى الشبهات فقد إستبرألدينه وعرضه)) :أي طلب برءة دينه وسلم من الشبهة .وأما براءة العرض ،فإنه إذا لم يتركها تطاول إليه السفهاء بالغيبة ونسبوه إلى أكل الحرام فيكون مدعاة لوقوعهم في الإثم ،وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلايقفن مواقف التهم)) (1) .وعن علي _رضي الله عنه_ أنه قال : ((إياك ومايسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك إعتذاره فرب سامع نكرا لاتستطيع أن تسمعه عذرا ))، وفي صحيح الترميذي أنه _عليه الصلاة والسّلام _ قال (إذا أحدث أحدكم في الصلاة فليأخذ بأنفه ثم لينصرف))، وذلك لئلا يقال عنه أحدث .قوله _عليه الصلاة والسّلام_ ( فمن وقع في الشّبهات وقع في الحرام)) يحتمل أمرين :أحدهما أن يقع في الحرام وهو يظن أنه ليس حرام ، والثاني : أن يكون المعني قد قارب من الوقوع في الحرام كما يقال (المعاصي بريد الكفر))، لأن النفس إذا وقعت في المخالفة تدرّجت من مفسدة إلى آخرى أكبر منها ،قيل : وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى (يقتلون الأنياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ))(2) يريد أنهم تدرجوا بالمعاصي إلى قتل الأنبياء ، وفي حديث ( لعن الله السّارق يسرق البّيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده)) (3) أي يتدرج من البيضة والحبل إلى نصاب السرقة و(الحمى) ما يحميه الغير من الحشيش في الأرض المباحة ،فمن رعى حول الحمى يقرب أن تقع فيه ماشيته فيرعى فيما حماه الغير ، بخلاف ما إذا رعى إبله بعيدا عن الحمى وأعلم كل محرم له حمى يحيط به ، فالفرج محرم وحماه الفخذان ، لأنهما جعلا حريمّا للمحرّم وكذلك الخلوة بالأجنبية حمى للمحرم ،فيجب على الشخص أن يجتنب الحريم والمحرّم : فالمحرّم حرام لعينه ، والحريم محرّم لأنه يتدرج به إلى المحرم ، قوله صلى الله عليه وسلم ( ألا وإنّ في الجسد مضغة )) أي في الجسد مضغة إذا خشعت خشعت الجوارح وإذا طمحت طمحت الجوارح ، وإذا فسدت فسدت الجوارح قال العلماء :البدن مملكة النفس مدينتها ، والقلب وسط المملكة والأعضاء كالخدام والقوى الباطنية كضياع المدينة ، والعقل صاحب الشرطة وهو عبد مكار خبث يتمثل بصورة الناصح الخدام .فالقلب هو الملك فإذا صلح الراعي صلحت الرّعية وإذا فسد فسدت الرّعية وإنما يحصل صلاحه من الأمراض الباطنية كالغّل والحسد والشّح والبخل والكبر و....وأمراض القلب كثيرة تبلغ نحو الأربعين عفانا الله منها وجعلنا ممن يأتيه بقلب سليم .
(1) قول عائشة (2) سورة آل عمران آية 112 (3) رواه الشيخان مسلم والبخاري
ما نستنتجه من هذا الحديث أنّ الإكثار من الشبهات يوصل إلى الحرام وإجتناب الصّغائر لأنها تجر إلى الكبائر الإهتمام بالقلب ترك بعض المباحات خوفا من الوقوع في الحرام الإهتمام بالقلب فعليه صلاح الجسد .
نلتقي في حديث آخر من أحاديث الأربعين نووية
....................فطيمة88.....................