سلام الله عليكم جميعا :
ورفعت نظرها إلى صورة أبيها .
ونظر للهجتها التي تكلمت بها ، ظنّ فلاش أنها ستخرج إلى النّزهة فقفز من مكانه وركض نحوالباب.
عند ذلك قالت مانيلا ( إنك تخبرني ما عليّ أن أفعل ، آه يا فلاش ،لشدّ ما أنت ماهر ،لماذا لم أفكر في هذا بنفسي..؟)) وقفزت واقفة ، ثم فتحت باب المكتب ، فركض فلاش يسبقها إلى الخارج .
عند ذلك ، ، أخذت مانيلا تخطط للّهرب .
وكان عليها أن تتمسك بالهدوء وضبط الأعصاب لءلا يمنعها الإضطراب من التفكير بوضوح .
كانت تدرك أن مسألة تحصيل المال الكافي لمعيشتها هي مشكلة حقا.
كما أن عليها أن تخفي شخصيتها بمهارة لكيلا يعلم عمها بمكانها.
دخلت غرفتها ، وجلست أمام مرآتها تنظر إلى نفسها ، وكأنها تسأل صورتها المنعكسة في المرآة ، عما عليها أنّ تفعله .
كانت مانيلا قد أمضت طوال حياتها في الرّيف .وأثناء الحرب لم يكن لديها سوى جيران قلائل ، كما أنه لم يكن هناك أية حفلات .
ولهذا لم تكن تدرك مبلغ ما كانت عليه من جمال رائع يدير الرؤوس .فقد كانت غير واعية إلى نفسها .
وكان عمها هربرت ، بعد وفاة أبيها ، قد أخذ يحدّق فيها بشكل غير عادي ن فسألته حينداك ( إنك تضايقني بنظراتك هذه يا عمي .هل تمة لطخة على طرف أنفي ..؟))
فأجاب ببطء: (( كنت أفكر في أنك شابة جميلة .إنك في الواقع تشبهين كثيرا صورة الكنتيس أوف اقودال التي كانت دوما تعتبر أجمل الجميلات على مختلف العصور.))
فدهشت مانيلا ، وقالت بشيء من الخجل (شكرا يا عمي ، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تمدحني فيها .))
لم يجب ، بل بدت في عينيه نظرة جعلت شيئا من الخّوف يتسرّب إلى نفسها .
فقد ساورها شعور غريب بأنه كان يفكر في أنّ جمالها هذا سينفعه في شيء لم تستطيع إدراكه .
وهي الآن تدرك أنه سيستفيد جدا إذا هي تزوجت من رجل غني مرموق المكانة .
كانت إستفادة إجتماعية واضحة ،بجانب المّال طبعا. وتذكرت مانيلا كم من المرات كان أبوها يقول ( لاأفهم لماذا يريد أخي أن يعيش في لندن ،ولكنه دوما هكذا .فهو لايحب الريف ولا الحياة فيه .كما أنه لايحسن الرماية مطلقا.))
وكان هذا ، كما كانت مانيلا تعلم ،يحط من قيمته في نظر أبيها الذي كان يعتبر دوما أنالرّجل الإنجليزي الرّاقي مفروض فيه دوما أن يحب الرّيف ورياضته ،وأن يحرص على ركوب أفضل الخيل ،ورمي أعلى الطيور .
وأحيانا ، عندما كان ينزل عليهم بعض الأقارب ضيوفا ، كانت مانيلا تسمعهم يتحدثون إلى أبيها عن عمها ، بصوت خافت .ولم يكن هذا يهمها بشكل خاص .
ولكنها كانت تسمع أحيانا شيئا من كلامهم ، وكان يتعلق بإسراف عمها .
كما كان لديهم الكثير مما يقولونه عن علاقاته الإجتماعية أما ما كان يهم والدها في المكان الأول ، فهو ديون عمها ، والتي كثيرا ما كان الدائنون يحضرون أوراقهم إليه لدفعها عندما يعجز أخوه عن ذلك .
ولم يكن أمام الإيرل ، حينداك سوى امرين ، إما أن يدفع ديون أخيه ، وإما أن يتركه يدخل السّجن .
كانت مانيلا تعلم تماما مبلغ يألم أبيها لهذا الإسّتنزاف المستمر لما يملكه من مال قليل نسبيّا .
لقد كان هذا يمنعه من إقتناء جياد أصيلة ، أو القيام بالإصلاحات الضرورية للّمنزل الذي إبتدات مياه الأمطار تتسرب من خلال سقفه.
وكانت مانيلا قد سألت أباها مرة : (( لماذا تستمر في القيام بذلك لأجل عمي هربرت ..؟))
فأجاب بشيء من الأسى ( مهما فعل هربرت ، يا عزيزتي ، فهو أخي فدمنا واحد ، ثم غنّ غسم الأسرة يهمني جدّا .))
وكان هذا يعني أنّ ليس بإمكانه أنّ يسمح بأن يذهب هربرت إلى السّجن . وكانت مانيلا تعلم أنّ هذا ما كان عمها هربرت معتمدا عليه .
وقالت تخاطب صورتها في المرآة ( أنا أكرهه...أكرهه.))
وعادت تتسأل عما عسى أن تتمكن من عمله لكي تحصل على قوتها .
كان شعرها بلون أشعة الشمس الذّهبية عند الصّباح ،وكانت عيناها بلون الغابات الخضراء وكانت إحدى الخادمات قد أخبرتها مرّة أن تكوين وجهها يشابه شكل القلب وعندما نظرت إليه في المرآة ، أدركت أن ذلك كان صحيحا.
وكانت عيناها بالغتي الإتساع ، إنما الغريب فيهما أن أهدابها كانت قاتمة اللّون .وكان هذا كما قال أبوها ،نتيجة لزواج جدّة لها إسبانية الدّم بأحد جدودها الأوائل .ومن سوء الحظ أنه لم يكن هناك صورة لتلك الجدّة ، فكان هذا دائما مثار حزن لمانيلا.
كانت تفكر في أنه ربما كان السّبب هو أنّ الأسرة لم تكن تحبها .
وكانت هنالك جدّة مانيلا التي كانت فنسية ، وكانت مانيلا تدرك كم تتألم لكون بلادها في حرب مع بلاد زوجها .
وعلى كل حال ، فإن يومياتها تنبىء كم كانت سعيدة للّغاية .
ولم يكن لونها يميل إلى السّمرة ، كما هو متوقع بالنّسبة إلى الفرنسيات ، ولكنها شقراء حيث أنها من شمال فرنسا .ولكن عينيها فقط كانتا تنبئان بأنها ليست إنجلزية على الإطلاق وكانت جدتها هذه هي التّي علمت مانيلا اللّغة الفرنسية منذ طفولتها .وهكذا ، كانت مانيلا تقرأ كتابا فرنسيّا بنفس السّهولة التّي تقرأبها كتابا إنجليزيّا ، قالت لها مرة ، ويهدد بغزو إنجلترا : ((إننّي واثقة يا جدتي ، بأننّي يجب أن لا أتكلم لغة أعدائنا .))
فأجابت جدتها (إنك لاتعلمين متى تجدين ذلك ذا نفع ،وأنا أظّن أن الإنجليز يخطئون كثيرا عندما يصرون على عدم التحدث بلغة غير لغتهم .إن عليهم انّ يختلطوا بسكان البلاد الأروبية الآخرى سواء احبوا ذلك أم لا.))
نكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله