جمال المرأة الحقيقي لا يُطلب بل يُطلق. الطلب وثاق والإطلاق ثقة. الجمال
يخنقه الوثاق، يُكبِّله، وتحرره الثقة، تبعثه. جمال المرأة ليس طينيا فقط،
بل هو مزيج من روحها وعقلها وقلبها وفكرها وذكائها ورهافتها وحاستها
وعاطفتها وأمومتها وأنوثتها وعذوبتها وكبريائها وتمردها وقوتها وحتى
ضعفها. إنه عبقها الخاص وعزفها المنفرد وسحرها المتفرِّد. المرأة أشبه
بمحيط هائل عميق. محيط عصي على الفهم والاحتواء والإحاطة بأسراره وخباياه
وغياهبه. لا ينكشف لك الجمال المتكون في عمق المحيط، حتى تؤمن بامتداده
الشاسع وعمقه الفاتن وقدرته الخارقة وكيانه الاستثنائي، وقبل ذلك، تؤمن
بقصورك إليه: كيف أنت لولا أن الجمال يحيط بك؟ حينها فقط، ستنصرف إليه
بصدق، تنصت إليه بثقة، تمتد فيه بتواضع، تلجه بحب. حينها يتحرر الجمال
الكامن في أعماق المحيط (المرأة)، ويكشف لك شيئاً من أسراره المتناهية
العمق. هكذا تحرر الثقة الجمال المختبئ في الأشياء. فالثقة رهان. وهكذا
المرأة، كلما مددتها بثقة (ما تختار وما تقرر وما ترى وما تريد وما تمضي
إليه)، مدَّتك بثقة رِهانها. أبدعتك خياراتها. أظهرت لك أجمل ما فيها.
أدهشتك والآخرين بما لم تتوقعونه من قدراتها. الجمال الكامن في المرأة
أكبر بكثير من أن يقع عليه (رجل أو مجتمع) سطحيين أو تقليديين، بل هما أقل
بكثير من أن يحيطا به أو يدركانه. مثل هؤلاء لا يرون في جمال المرأة إلا
قشرة خارج، فتراهما يعملان إما على غمغمته وحجبه وإخفائه وتغييبه، أو على
افتراسه وابتذاله وامتهانه وبروزته.
المرأة عرَّافة للجمال، لا لما تمتلكه من جمال وهبته لها الطبيعة فقط، بل
لأن ممكنات الجمال عندها غير منتهية. فهي قادرة على إخراج تنويعات مختلفة
ومتعددة للجمال. قادرة على تحويل مفاهيم الجمال وتوسيعها، قادرة على
مفاجأة الآخرين بتعريفات جديدة ومبتكرة للجمال. لكنها عرَّافة لئيمة.
تمتحن الأشياء بدهاء، قبل أن تهبها جمالها الكامن والمخبوء، أو تبقيه
مستوراً، إلا ما ظهر..