سعيد عضو نشيط
علم الدولة : المهنة : عامل عدد الرسائل : 5213 الدولة : الجزائر تاريخ التسجيل : 10/01/2009 نقاط : 11227
| موضوع: التوحيد السبت ديسمبر 31, 2011 1:56 pm | |
| أولاً : التوحيد ، فهو أعظم أسباب الهداية ، ولذا لما ذَكرَ الله الشرك قال : ( وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا ) ، فالموحِّد على خير ، وهو إلى الخير أقرب . وقال على لسان خليله إبراهيم : (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) ، فهذا وعدٌ بالهداية لأهل التوحيد .
ثانياً : امتثال ما أَمَـرَ الله بهِ ورسولُه ، واجتناب ما نَهى الله ورسوله عنه ، قال عز وجل : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا {66} وَإِذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا {67} وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) ، قال ابن جرير – رحمه الله - : يعني بذلك جل ثناؤه ولو أنهم فعلوا ما يوعظـون به لكان خيرا لهم لإيتائنا إياهم على فعلهم ما وعظوا به من طاعتنا والانتهاء إلى أمرنا أجراً يعني جـزاء وثوابـا عظيمـا وأشد تثبيتا لعزائمهـم وآرائهـم وأقوى لهم على أعمالهم لهدايتنا إياهم صراطا مستقيما ، يعني طريقا لا اعوجاج فيه ، وهو دين الله القويم الذي اختاره لعباده وشرعه لهم ، وذلك الإسلام ، ومعنى قـولـه ولهديناهم : ولوفّقناهم للصراط المستقيم . اهـ وقال الحافظ ابن كثير : ولو أنهم فعلوا ما يؤمرون به وتركوا ما يُنهون عنه لكان خيراً لهم أي من مخالفة الأمر وارتكاب النهي وأشد تثبيتا ، قال السدي : أي وأشد تصديقا ، وإذا لآتيناهم من دنا أي من عندنا أجرا عظيما يعني الجنة ، ولهديناهم صراطا مستقيما أي في الدنيا والآخرة . اهـ .
وإذا كانت الذنوب سبباً لسوء الخاتمة ، وللطبع على القلب ، كان تركها سبباً للهداية ، وأشد في الثّبات على دين الله ، فالمحافظة على الصلاة – مثلاً – وإقامتها كما أمر الله ، مما أُمِرَ به المسلم ، ثم هي سبب في الابتعاد عن الفواحش والمنكرات ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ ) وبها يستعين العبد على الصبر على ما ينوبه في الحياة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) قال ابن كثير : إن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر . وبها يستعين العبد على الشدائد : ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ) وبها يستعين بالصبر على المصائب : ( إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا {19} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا {20} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا {21} إِلَّا الْمُصَلِّينَ {22} الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ ) ، والأعمال الصالحة عموماً مما يُقرِّب إلى علاّم الغيوب . ولما ذكر الله تبارك وتعالى جملة من أنبيائه ورسله قال لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم : ( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ) ، وقال جلّ ذكره في وصف كتابه : ( يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )
ثالثاً : الإنابة والتوبة والرجوع إلى الله جل جلاله ، قال تبارك وتعالى : ( قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ) ، وقال سبحانه : ( اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ) ، وهذه الثلاث : أعني التوحيد والسلامة من الشرك ، وفعل الطاعات وما أُمِرَ به العبد ، والإنابة إلى الله يجمعها قولُه تعالى: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ {17 } الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ )
فالذين اجتنبوا الشرك ، وأنابوا إلى الله ، واستمعوا القول فاتّبعوا أحسنه ، هم أهل الهداية . والله تبارك وتعالى يُحبُّ التوابين ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) ، فإذا أحبّهم هداهم . فمن تاب وأناب إلى الله تبارك وتعالى أحبّه الله ، ومَن أحبّـه الله هداه بهداه
رابعاً : الاعتصام بالله جل جلاله ، قال سبحانه : ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ، وقال جل جلاله : ( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) ، والاعتصام بالله يكون بالتمسك بحبل الله المتين ، التمسك بالقرآن العظيم . قال سبحانه : ( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) ، والتمسك بكتاب الله أمان بإذن الله من الضلال ، لقوله صلى الله عليه وسلم : تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله . رواه مسلم . وكذا التمسك بالسنة والقرآن يهدي للتي هي أقوم في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فواضحٌ مما تقدّم ، وأما في الآخرة فلقوله صلى الله عليه وسلم : يُقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا ، فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها. رواه أحمد وأصحاب السنن ، وتكرر في الكتاب العزيز وصف القرآن بأنه هُدى للمؤمنين .
خامساً : الإخلاص لله تعالى ، فإن المسلم يعمل العمل ، ويظن أنه على شيء وليس كذلك . قال سبحانه : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) ، وإن أقواماً يأتون يومَ القيامة ، فيبدوا لهم ما لم يكونوا يحتسبون ، كما قال الحق سبحانه : ( وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) ، وإن آخرين يَظُنّون أنهم يُحسنون صُنعا ، وليسوا كذلك . قال سبحانه : ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة . متفق عليه . فإذا لم يكـن العمل خالصاً لله عز وجل كان سبباً في ضلال وانتكاس صاحبِه ، وكان وبالاً على صاحبه يوم القيامة .
سادساً : الدعاء ، والاجتهاد فيه ، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ، وفيه أيضا عن علي رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قل : اللهم اهدني وسددني ، وأذكر بالهدى هدايتك الطريق ، والسداد سداد السهم . وعَلّمَ رسولُ الله سِبْطَه الحسن بن علي ، علّمه دعاء القنوت المشهور ، فقال الحسن : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت . رواه أبو داود وغيره ، ومـن دعائه صلى الله عليه وسلم : اللهم زينا بزينة الإيمان ، واجعلنا هداة مهتدين . رواه أحمد والنسائي . وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : رب أعني ولا تُعن علي ، وانصرني ولا تنصر علي ، وامكر لي ولا تمكر علي ، واهدني ويسر الهدى لي ، وانصرني على من بغى علي رب اجعلني لك شكارا ، لك ذكارا ، لك رهابا ، لك مطواعا ، لك مخبتا ، إليك أواها منيبا ، رب تقبل توبتي ، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي ، وثبت حجتي وسدد لساني ، واهدِ قلبي ، واسلل سخيمة صدري . رواه أحمد والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . ولما سُئلت عائشة - رضي الله عنها - بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت :كان إذا قام من الليل افتتح صلاته : اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم . رواه مسلم ، فَدَلّ على اجتهاده صلى الله عليه وسلم في الدعاء ، وإرشاده إليه ، وتعليمه لأصحابه وأحفاده
وفيما يرويه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ربِّه تبارك وتعالى أنه قال : يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم . رواه مسلم . فاسأل ربك الهداية ، فقد قال خليلُ الله إبراهيمُ : ( لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ ) ، ومن دعاءِ المؤمنين : ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ )
سابعاً : المجاهدة على فعل الطاعات ، وترك المنكرات ، والصبر على ذلك . قال تبارك وتعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )
ثامناً : كثرة ذكر الله تبارك وتعالى ، فإن الإعراض عن ذكر الله سبب في الضلال ، كما في قوله تعالى : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ {36} وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) ، وهذه الهداية لا تكونُ مهيأةً في كلِّ وقتٍ للعبدِ المسلم ، فإن الحقّ سبحانه وتعالى قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ )
وفي هذا حثٌ على المبادرةِ بالاستجابة لله ولرسوله ، قبل أن يأتي يومٌ يَبْحَثُ فيه المسلمُ عن قلبه فلا يجده ، أي أنه يُحالُ بينه وبين قلبه .
وإليك هذه القِصّةً التي تدل على صحة هذا القول، وأنه قد يُحال بين المرء وبين قلبه ، هذه القصة لرجلٍ كان من ملوك النصارى فأسلم . وهو جبلة بن الأيهم . أسلم في أيامِ عمر ، وحج معه فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطئ إزاره رجلٌ من بني فزارة ، فانحلّ إزارُه فرفع جبلةُ يده فهشم أنف الفزاري ، فاستعدى عليه عمر ، فاستحضره عمر فاعترف ، ثم طلبه للقصاص فاستنكف واستكبر ، وسأل عمرَ أن يمهله ليلته تلك ، فلما ادْلَهَمّ الليل ركب في قومه ومن أطاعه وسار إلى الشام ثم دخل بلاد الروم وراجع دينه دين السوء ، أي أنه ارتد عن دين الله . ولما بدا له أن يعود حِيْلَ بينه وبين ما أراد ، فكان مما قال :
تنصَّرتْ الأشرافُ من عارِ لطمةٍ وما كان فيها لو صبرتُ لها ضـررْ تكنّفني فيهـا اللجـاجُ ونخـوةٌ وبِعْتُ بها العينَ الصحيحةَ بالعَـوَرْ فيا ليت أمي لـم تلدني وليتني رجعتُ إلى القول الذي قاله عمـرْ ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ وكنتُ أسيراً في ربيعـة أو مضـر ويا ليت لي بالشام أدنى معيشةٍ أجلس قومي ذاهب السمع والبصر
هذه القصة ذكرها المؤرخون ، أمثال ابن الجوزي وابن عساكر وابن كثير وغيرُهم . هذه إجمالاً واختصاراً أسباب الهداية . | |
|
جمال نائب المدير العام
علم الدولة : عدد الرسائل : 2150 العمل/الترفيه : نعم الدولة : الجزائر تاريخ التسجيل : 16/12/2008 نقاط : 4133
| موضوع: رد: التوحيد الجمعة يناير 06, 2012 5:30 pm | |
| | |
|