تعود
الناس من أهل الكوفة فى الصدر الاول للاسلام أن يروا رجلا يخرج عليهم بين
حين وحين , فما يروه حتى يأخذوه بعيونهم ليس ذلك عن رفعة فى المكانة أو
علو فى الرتبة !!
فقد كان رحمه الله من اخلاط الناس المغمورين الذين لا يؤبه اليهم اذا غابوا !
وانما كانوا كذلك ازراء بشأنه وسخرية منه, لخشونة ملبسه ورثاثة حاله !
كان
يمشى ضاربا بذقنه الى صدره راميا ببصره الى موضع سجوده واضعا يمينه على
شماله كأنه فى الصلاة , وكثيرا ما كان يقتات هو وامه مما يلتقط من النوى !
هو سيد من سادات التابعين جليل القدر عظيم المكانة عند الله , من أكابر الزهاد واتقاهم واروعهم ,هو " أويس بن عامر " القرنى المرادى
اليمنى منشأ الكوفى موطنا , ادرك النبى (صلى الله عليه وسلم ) من غير ان يراه على ارجح الروايات.
اذ كان مشغول بامه يخدمها ويبرها ويقوم على شئونها اكمل ما يكون القيام.
يصبح فيقبل يدها ويلثم قدمها ويتمرغ تحت قدمها حتى لكأنه يتصور انه فى روضة من رياض الجنة.
كان
رضى الله عنه كثير الامر بالمعروف والنهى عن المنكروالنصح لله ولرسوله ,
رماه الناس بالعظائم ونسبوه الى الجنون , فلندع هؤلاء الفاسقين
ولنذكر ما لهذا الجليل من كريم المنزلة عند الله .
روى ان " أويس " وفد فيمن وفد من الناس الى أمير المؤمنين "عمر "
فقال له "عمر ": انت "أويس بن عامر "
قال : نعم.
قال : انت من مراد ثم من قرن ؟
قال : نعم .
قال كان بك برص ثم برات منه الا موضع الدرهم ؟
قال : نعم .
قال : ولك والدة ؟
قال : نعم .
قال
"عمر ": سمعت رسول الله (ص) يقول " يأتى عليكم اويس بن عامر من امداد اهل
اليمن وكان به برص فبرأ منه الا موضع الدرهم له والدة هو بها بار لو اقسم
على الله لابره فان استطعت ان يستغفر لك فافعل "
فقال "عمر " : فاستغفر لى يا "أويس ". فاستغفر له ,
فقال "عمر ": ان تريد ؟
قال : الكوفة .,
قال : الا أكتب الى عاملها ؟
قال : أكون فى غبراء الناس خير لى .
وروى
أبو نصرة عن جابر قال : كنا نجلس الى حلقة رجل محدث بالكوفة يعظ الناس
وكان اذا فرغ انصرف الناس الا نفر قليل فيهم رجل لا اعرفه يتكلم بكلام لم
اسمع مثله قط فاعجبنى واحببته , ففقدته اياما .
فقلت لاصحابى : اتعرفون رجل صفقته كذا وكذا ؟
فقال احدهم : نعم انا اعرفه واخذك اليه
قال : فانطلقت معه حتى حجرته فخرج الى فقلت :
يا اخى ما منعك عنا؟
قال : ما ترى ( وكان عاريا الا ما يستر عورته ) وقال : وكان اصحابه يسخرون منه ويؤذونه.
فقلت له : خذ هذا البرد فالبسه.
قال : لا تفعل انهم ياذوننى !
قال : فلم ازل به حتى لبسه .
ثم خرج على قومه فقالوا : ترى من خدع عن برده هذا ؟
ثم كان ان وفد اهل الكوفة الى "عمر " ذات يوم وفيهم رجلا ممن كان يؤذى "أويس" قال عمر: اههنا رجل من القرنين ؟
فقال ذلك الرجل نعم.
ثم ساله عمر عن اويس وقال : سمعت رسول الله (ص) يقول ....(وروى ما قد رواه لاويس )
فعاد الرجل فاقبل على اويس محييا ومسلما.
فقال اويس " ما هذه بعادتك ,
قال : سمعت عمر يقول كذا وكذا , فاستغفر لى .
قال "أويس " : لا افعل حتى تجعل لى عليك الا تسخر منى ولا تؤذينى
ولا تذكر ذلك الامر لاحد , فجعل له هذا العهد , فاستغفر له .
أما بعد : فان من الميسور على كل مسلم مؤمن ان يكون مثل " أويس "
مستجاب الدعوة مقبول الشفاعة لو اقسم على الله لابره ,
ووسيلة ذلك العمل الصالح والوقوف على امر الله تعالى واجتناب نواهيه
فمن يعمل عمله يكن مثله , ومن يزد يكن خيرا , والله الوفق.