مواعظ - 1
إخواني: الذنوب تغطي على القلوب، فإذا أظلمت مرآة القلب لم يبن فيها وجه الهدى ، و من علم ضرر الذنب استشعر الندم .
يا
صاحب الخطايا : أين الدموع الجارية ؟ يا أسير المعاصي ابك على الذنوب
الماضية ، أسفاً لك إذا جاءك الموت و ما أنبت ، وا حسرة لك إذا دُعيت إلى
التوبة فما أجبت ، كيف تصنع إذا نودي بالرحيل و ما تأهبت ، ألست الذي
بارزت بالكبائر و ما راقبت ؟!
أسفاً لعبد كلما كثرت أوزاره قلّ استغفاره ، و كلما قرب من القبور قوي عنده الفتور.
اذكر اسم من إذا أطعته أفادك ، و إذا أتيته شاكراً زادك ، و إذا خدمته أصلح قلبك و فؤادك.
أيها الغافل : ما عندك خبر منك ! فما تعرف من نفسك إلا أن تجوع فتأكل ، و تشبع فتنام ، و تغضب فتخاصم ، فبم تميزت عن البهائم !
واعجباً
لك ! لو رأيت خطاً مستحسن الرقم لأدركك الدهش من حكمة الكاتب ، و أنت ترى
رقوم القدرة و لا تعرف الصانع ، فإن لم تعرفه بتلك الصنعة فتعجّب ، كيف
أعمى بصيرتك مع رؤية بصرك !
يا من قد وهى شبابه ، و امتلأ بالزلل
كتابه ، أما بلغك ان الجلود إذا استشهدت نطقت ! أما علمت أن النار للعصاة
خلقت ! إنها لتحرق كل ما يُلقى فيها ، فتذكر أن التوبة تحجب عنها ، و
الدمعة تطفيها .
سلوا القبور عن سكانها ، و استخبروا اللحود عن
قطانها ، تخبركم بخشونة المضاجع ، و تُعلمكم أن الحسرة قد ملأت المواضع ،
و المسافر يود لو انه راجع ، فليتعظ الغافل و ليراجع .
يا مُطالباً بأعماله ، يا مسئولاً عن أفعاله ، يا مكتوباً عليه جميع أقواله ، يا مناقشاً على كل أحواله ، نسيانك لهذا أمر عجيب !
إن مواعظ القرآن تُذيب الحديد ، و للفهوم كل لحظة زجر جديد ، و للقلوب النيرة كل يوم به وعيد ، غير أن الغافل يتلوه و لا يستفيد ..
كان بشر الحافي طويل السهر يقول : أخاف أن يأتي أمر الله و أنا نائم .
من
تصور زوال المحن و بقاء الثناء هان الابتلاء عليه ، و من تفكر في زوال
اللذات وبقاء العار هان تركها عنده ، و ما يُلاحظ العواقب إلا بصر ثاقب .
عجباً
لمؤثر الفانية على الباقية ، و لبائع البحر الخضم بساقية ، و لمختار دار
الكدر على الصافية ، و لمقدم حب الأمراض على العافية .
قدم على
محمد بن واسع ابن عم له فقال له من أين أقبلت ؟ قال : من طلب الدنيا ،
فقال : هل أدركتها ؟ قال لا ، فقال : واعجباً ! أنت تطلب شيئاً لم تدركه ،
فكيف تدرك شيئاً لم تطلبه .
يُجمع الناس كلهم في صعيد ، و
ينقسمون إلى شقي و سعيد ، فقوم قد حلّ بهم الوعيد ، و قوم قيامتهم نزهة و
عيد ، و كل عامل يغترف من مشربه .
كم نظرة تحلو في العاجلة ،
مرارتها لا تُـطاق في الآخرة ، يا ابن أدم قلبك قلب ضعيف ، و رأيك في
إطلاق الطرف رأي سخيف ، فكم نظرة محتقرة زلت بها الأقدام.
يا طفل الهوى ! متى يؤنس منك رشد ، عينك مطلقة في الحرام ، و لسانك مهمل في الآثام ، و جسدك يتعب في كسب الحطام.
أين
ندمك على ذنوبك ؟ أين حسرتك على عيوبك ؟ إلى متى تؤذي بالذنب نفسك ، و
تضيع يومك تضييعك أمسك ، لا مع الصادقين لك قدم ، و لا مع التائبين لك ندم
، هلاّ بسطت في الدجى يداً سائلة ، و أجريت في السحر دموعاً سائلة .
تحب
أولادك طبعاً فأحبب والديك شرعاً ، و ارع أصلاً أثمر فرعاً ، و اذكر
لطفهما بك و طيب المرعى أولاً و أخيرا ، فتصدق عنهما إن كانا ميتين ، و
استغفر لهما و اقض عنهما الدين.
من لك إذا الم الألم ، و سكن الصوت
و تمكن الندم ، ووقع الفوت ، و أقبل لأخذ الروح ملك الموت ، و نزلت منزلاً
ليس بمسكون ، فيا أسفاً لك كيف تكون ، و أهوال القبر لا تطاق.