المختار بن أبي عبيد الثقفي ( رضوان الله عليه )
مركز آل البيت العالمي
ولادته :
ولد المختار بن أبي عُبَيد بن مسعود الثـقفي في السنة الأولى من الهجرة في مدينة الطائف .
جوانب من حياته :
لما ترعرع المختار حضر مع أبيه وقعة قُسّ الناطف وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وكان يتفلّت للقتال فيمنعه سعد بن مسعود عمُّه .
فنشأ
مقداماً شجاعاً ، يتعاطى معالي الأمور ، وكان ذا عقلٍ وافر ، وجوابٍ حاضر
، وخِلالٍ مأثورة ، ونفسٍ بالسخاء موفورة ، وفطرةٍ تُدرك الأشياء بفراستها
، وهمّةٍ تعلو على الفراقد بنفاستها ، وحَدَسٍ مُصيب ، وكفٍّ في الحروب
مُجيب ، مارسَ التجاربَ فحنّكَتْه ، ولابَسَ الخطوبَ فهذّبَتْه .
وينهض
الشباب بالمختار ، فتُعرَف فيه شمائل النخوة والإباء ورفض الظلم ، ويُسمَع
منه ويُرى فيه مواقف الشجاعة والتحدّي أحياناً ، وهذا أشدّ ما تخشاه
السلطات الأُمويّة ، فألقت القبض عليه وأودعته في سجن عبيد الله بن زياد
في الكوفة .
وكان هذا تمهيداً لتصفية القوى والشخصيّات المعارضة ، والتفرّغ لإبادة أهل البيت بعد ذلك حيث لا أنصار لهم ولا أتباع .
وتقتضي
المشيئة الإلهيّة أن يلتقي المختار في السجن بمِيثم التمّار ، فيبشّره هذا
المؤمن الصالح الذي نهل من علوم إمامه عليٍّ أمير المؤمنين ( عليه السلام
) .
ويقول ميثم التمار للمختار : إنك تفلتُ وتخرج ثائراً
بدم الحسين ( عليه السلام ) ، فتقتل هذا الجبّارَ الذي نحن في سجنه ( أي
ابن زياد ) ، وتطأ بقدمك هذا على جبهته وخَدَّيه .
ولم تطل
الأيّام حتّى دعا عبيد الله بن زياد بالمختار من سجنه ليقتله ، وإذا
بالبريد يطلع بكتاب يزيد بن معاوية إلى ابن زياد يأمره بتخلية سبيل
المختار ، وذلك أنّ أخت المختار كانت زوجة عبد الله بن عمر ، فسألت زوجها
أن يشفع لأخيها إلى يزيد ، فشفّع فأمضى يزيد شفاعته ، فكتب بتخلية سبيل
المختار .
بعث المختار إلى أصحابه فجمعهم في الدور حوله ،
وأراد أن يثب على أهل الكوفة ، ثأراً منهم على قتلهم الإمامَ الحسين (
عليه السلام ) .
ثورة المختار :
ينقضّ
المختار على الكوفة وقد خبّأت رؤوس الفتنة والضلالة والجريمة ، آلافاً من
قتلة سيّد الشهداء الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، فيحصدها المختار
انتقاماً لدم وليّ الله ، وثأراً ممّن قتل الأطفال والصالحين وسبى النساء
والأرامل والثُكالى ، الذين جعلوا بيت النبي ( صلّى الله عليه وآله ) في
عزاء ونحيب وعويل ليلَ نهار .
قال المنهال : دخلتُ على علي
بن الحسين قبل انصرافي من مكّة ، فقال لي : (يا منهال ، ما صنع حرملةُ بن
كاهل الأسدي ؟ فقلت : تركته حيّاً بالكوفة ، فرفع يديه جميعاً ثُمّ قال (
عليه السلام ) : اللهُمّ أَذِقْه حرَّ الحديد ، اللهمّ أذِقْه حرّ الحديد
، اللهمّ أذِقْه حرَّ النار) .
قال المنهال : فقدمتُ
الكوفة وقد ظهر المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وكان صديقاً لي ، فركبتُ
إليه ولقيتُه خارجاً من داره ، فقال : يا منهال ، لم تأتِنا في ولايتنا
هذه ، ولم تُهنّئنا بها ، ولم تُشركنا فيها ؟! فأعلمتُه أنّي كنت بمكّة ،
وأنّي قد جئتك الآن .
وسايرتُه ونحن نتحدّث حتّى أتى ( الكُناسة ) فوقف وقوفاً كأنّه ينظر شيئاً ، وقد كان أُخبر بمكان حرملة فوجّه في طلبه .
فلم يلبث أن جاء قوم يركضون ، حتّى قالوا : أيُّها الأميرُ البشارة ، قد أُخذ حرملة بن كاهل !
فما
لبثنا أن جيء به ، فلمّا نظر إليه المختار قال لحرملة : الحمد لله الذي
مكّنني منك ، ثُمّ قال : النارَ النار ، فأُتيَ بنارٍ وقصب ، فأُلقي عليه
فاشتعل فيه النار .
قال المنهال : فقلت : سبحانَ الله !
فقال لي : يا منهال ، إنّ التسبيح لَحَسَن ، ففيمَ سبّحت ؟ قلت : أيّها
الأمير ، دخلتُ في سفرتي هذه – وقد كنت منصرفاً من مكّة – على علي بن
الحسين ( عليهما السلام ) فقال لي : (يا منهال ، ما فعل حرملة بن كاهل
الأسدي ؟ فقلت : تركتُه حيّاً بالكوفة ، فرفع يديه جميعاً فقال : اللهمّ
أذِقْه حرَّ الحديد ، اللهمّ أذِقْه حرّ الحديد ، اللهمّ أذقْه حرّ النار)
.
فقال لي المختار : أسمعتَ عليَّ بن الحسين يقول هذا ؟! فقلت : واللهِ لقد سمعتُه يقول هذا .
فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين فأطال السجود .. ثُمّ ركب وقد احترق حرملة .
وشيّع
المختارُ إبراهيمَ بن مالك الأشتر ماشياً يبعثه إلى قتال عبيد الله بن
زياد ، فقال له إبراهيم : اركبْ رَحِمَك الله ، فقال المختار : إنّي
لأحتسب الأجر في خُطايَ معك ، وأحبُّ أن تَغْبَرَّ قدمايَ في نصر آل محمّد
( صلّى الله عليه وآله ) .
ثُمّ ودّعه وانصرف ، فسار ابن
الأشتر إلى المدائن يريد ابنَ زياد ، ثُمّ نزل نهرَ الخازر بالموصل شمال
العراق ، وكان الملتقى هناك ، فحضّ ابن الأشتر أصحابه خاطباً فيهم : ( يا
أهلَ الحقّ وأنصار الدين ، هذا ابنُ زيادٍ قاتلُ حسين بن عليٍّ وأهلِ بيته
، قد أتاكم اللهُ به وبحزبه حزب الشيطان ، فقاتلوهم بنيّةٍ وصبر ، لعلّ
الله يقتله بأيديكم ويشفي صدوركم ) .
وتزاحفوا .. ونادى
أهل العراق : يا لِثاراتِ الحُسين ، فجال أصحاب ابن الأشتر جولةً ، وحمل
ابن الأشتر يميناً فخالط القلب ، وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم .