وسيلة الاميرة مشرفة عامة
علم الدولة : المهنة : طالبة عدد الرسائل : 4418 الدولة : الجزائر تاريخ التسجيل : 01/02/2009 نقاط : 7742
| موضوع: حوار في الطائرة مع فتاة متبرجة الأربعاء أغسطس 04, 2010 10:01 am | |
| حينما جلست في المقعد المخصص لي في الدرجة الأول من الطائرة التي تنوي الإقلاع إلى عاصمة دولةٍ غربية ، كان المقعد المجاور لي من جهة اليمين ما يزال فارغاً ، بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما يزال فرغاً ، قلت في نفسي : أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً ، أو أن ييسّر الله لي فيه جاراً طيباً يعينني على قطع الوقت بالنافع المفيد ، نعم أن الرحلة طويلة سوف تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح إليه نفسك ، ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما تريد! وقبيل الإقلاع جاء من شغل المقعد الفارغ … فتاةُ في مَيْعة الصِّبا ، لم تستطيع العباءة الفضفاضة السوداء ذات الأطراف المزيَّنة أن تخفي ما تميزت به تلك الفتاة من الرِّقة والجمال .. كان العطر فوَّاحاً ، بل إن أعين الركاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى مصدر الرائحة الزكيَّة ، لقد شعرت حينها أن مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا كصورتين يحيط بهما إطار منضود من نظرات الرُّكاب ، حينما وجهت نظري إلى أحدهم … رأيتُه يحاصر المكان بعينيه ، ووجهه يكاد يقول لي : ليتني في مقعدك ؛ كنت في لحظتها أتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) (( ألا وإنَّ طيب الرجال ما ظهر ريحه ، ولم يظهر لونه ، ألا وإن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه )). ولا أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف ، لقد تساءلت حينها (( لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة ))؟ كان الجواب واضحاً في ذهني من قبل : إن المرأة لزوجها ، ليست لغيره من الناس ، وما دامت له فإن طيبَها ورائحة عطرها لا يجوز أن يتجاوزه إلى غيره ، كان هذا الجواب واضحاً ، ولكن ما رأيته من نظرات ركاب الطائرة التي حاصرت مقعدي ومقعد الفتاه ، قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي : يا ترى لو لم يَفُحْ طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أفعمت جوَّ الدرجة الأولى من الطائرة ، أكانت الأنظار اللاَّهثة ستتجه إليها بهذه الصورة؟ عندما جاءت ((خادمة الطائرة )) بالعصير ، أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال ، وقدَّمته إليَّ ، تناولته شاكراً وقد فاجأني هذا الموقف ، وشربت العصير وأنا ساكتٌ ،ونظرات ذلك الشخص ما تزال تحاصرني ، وجَّهت إليه نظري ولم أصرفه عنه حتى صرف نظره حياءً - كما أظن - ، ثم اكتفى بعد ذالك باختلاس النظرات إلى الفتاة المجاورة ، ولما أصبح ذلك دَيْدَنَه ، كتبت قصاصة صغيرة (( ألم تتعب من الالتفات ؟ ))، فلم يلتفت بعدها . عندما غاصتْ الطائرة في السحاب الكثيف بعد الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى ذالك المنظر البديع سبحان الله العظيم ، قلتُها بصوت مرتفع وأنا أتأمل تلك الجبال الشاهقة من السحب المتراكمة التي أصبحنا ننظر إليها من مكان مرتفع ، قالت الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة : إي والله سبحان الله العظيم ، ووجهتْ حديثها إليَّ قائلة ً إن هذا المنظر يثير الشاعرية الفذَّة ، ومن حسن حظي أنني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحة ًشعرية رائعة لهذا المنظر … لم تكن الفتاة وهي تقول لي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة ، كلا..لقد لملمت تلك العباءة الحريرية ، وذلك الغطاء الرقيق الذي كان مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة ، لقد بدا وجهها ملوَّناً بألوان الطيف ، أما شعرها فيبدو أنها قد صفَّـفته بطريقة خاصة تعجب الناظرين … قلت لها : سبحان من علَّم الإنسان ما لم يعلم ، فلولا ما أتاح الله للبشر من كنوز هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة .. قالت: إنها تدلُّ على قدرة الله تعالى .. قلت: نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون و خالقه ،الذي أودع فيه أسراراً عظيمة ، وشرع فيه للناس مبادئ تحفظ حياتهم وتبلَّـغهم رضى ربهم ،وتنجيهم من عذابه يوم يقوم الأشهاد. قالت : إلا يمكن أن نسمع شيئاً من الشعر فإني أحب الشعر وإن هذه الرحلة ستكون تاريخية بالنسبة إليَّ ، ما كنت أحلم أن أسمع منك مباشرة .. لقد تمنَّيتُ من أعماق قلبي لو أنها لم تعرف مَنْ أنا لقد كان في ذهن أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها . وسكتُّ قليلاً كنت أحاور نفسي حواراً داخلياً مُرْبكاً ، ماذا أفعل ، هل أبدأ بنصيحة هذه الفتاة وبيان حقيقة ما وقعت فيه من أخطاءٍ ظاهرة ، أم أترك ذلك إلى آخر المطاف ؟ وبعد تردُّد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها. وقبل أن أتحدث أخرجت من حقيبتها قصاصاتٍ ملوَّنة وقالت : هذه بعض أوراق أكتبها ، أنا أعلم أنها ليست على المستوى الذي يناسب ذوقك ، ولكنها خواطر عبرت بها عن نفسي … وقرأت القصاصات بعناية كبيرة ، إني أبحث فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة .. إنها خواطر حالمة ، هي فتاة رقيقة المشاعر جداً ، أحلامها تطغى على عقلها بشكل واضح ، لفت نظري أنها تستشهد بأبيات من شعري ، قلت في نفسي هذا شيء جميل لعل ذلك يكون سبباً في أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول ، بعد أن قرأت القصاصات عزمت على تأخير النصيحة المباشرة وسمحت لنفسي أن تدخل في حوارٍ شامل مع الفتاة .. قلت لها : عباراتك جميلة منتقاة ، ولكنها لا تحمل معنىً ولا فكرة كما يبدو لي ، لم أفهم منها شيئاً ، فماذا أردتِ أن تقولي …؟ بعد صمتٍ قالت : لا أدري ماذا أردتُ أن أقول : إني أشعر بالضيق الشديد ، خاصة عندما يخيَّم عليَّ الليل ، أقرأ المجلات النسائية المختلفة ، أتأمَّل فيها صور الفنانات والفنانين ، يعجبني وجه فلانة ، وقامة فلانة ، وفستان علاَّنة ، بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنَّى لو أن ملامح زوجي كملامحه ، فإذا مللت من المجلات اتجهت إلى الأفلام ، أشاهد منها ما أستطيع وأحسُّ بالرغبة في النوم ، بل إني أغفو وأنا في مكاني ، فأترك كل شيء وأتجه إلى فراشي …، وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره ، هناك يرتحل النوم ، فلا أعرف له مكاناً . عجباً ، أين ذلك النوم الذي كنت أشعر به وأنا جالسة ، وتبدأ رحلتي مع الأرق ، وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها … (( إنها مريضة )) قلتها في نفسي ، نعم إنها مريضة بداء العصر ؛ القلق الخطير ، إنها بحاجة إلى علاج . قلت لها : ولكنَّ خواطرك هذه لا تعبر عن شيء ٍ مما قلت إنها عبارات برَّاقة ، يبدو أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق … قالت : عجباً لك ، أنت الوحيد الذي تحدَّثت بهذه الحقيقة ،كل صديقاتي يتحدثن عن روعة ما أكتب ، بل إن بعض هذه الخواطر قد نشرت في بعض صحفنا ، وبعثَ إلىَّ المحرِّر برسالة شكر على هذا الإبداع ، أنا معك أنه ليس لها معنى واضح ، ولكنها جميلة . وهنا سألتها مباشرة : هل لك هدفٌُ في هذه الحياة ؟! بدا على وجهها الارتباك ، لم تكن تتوقع السؤال ، وقبل أن تجيب قلت لها : هل لك عقل تفكرين به ، وهل لديك استقلال في التفكير ؟ أم أنك قد وضعت عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي أشرت إليها ، وحلقات الأفلام التي ذكرت أنك تهرعين إليها عندما تشعرين بالملل . هل أنتِ مسلمة ؟!.. هنا تغيَّر كل شيء ، أسلوبها في الحديث تغيَّر ، جلستها على المقعد تغيَّرت ، قالت : هل تشك في أنني مسلمة ؟ ! إني - بحمد الله - مسلمة ٌُ ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام ، لماذا تسألني هذا السؤال ، إن عقلي حرٌّ ليس أسيراً لأحد ، إني أرفض أن تتحدَّث بهذه الصورة ….. وانصرفت إلى النافذة تنظر من خلالها إلى ملكوت الله العظيم … لم أعلق على كلامها بشيء ، بل إنني أخذت الصحيفة التي كانت أمامي وانهمكت في قراءتها ، ورحلت مع مقال في الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب (( كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات والأباطيل ، يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله , ولا أكتمكم أنني قد انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من حوار بيني وبين مجاورتي في المقعد ، ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها - كما أخبرتني فيما بعد ، ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني : أتشك في إسلامي ؟! قلت لها : ما معنى الإسلام ؟! قالت : هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال ! قلت لها: معاذ الله بل أنت فتاة ناضجة تمتم النضج ، تُلوِّن وجهها بالأصباغ ، وتصفِّفُ شعرها بطريقة جيدة ، وتلبس عباءتها وحجابها في بلادها ، فإذا رحلت خلعتها وكأنهما لا يعنيان لها شيئاً ، نعم إنك فتاة كبيرة تحسن اختيار العطر الذي ينشر شذاه في كل مكان ..فمن قال إنك طفلة … ؟! قالت : لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟ قلت لها : ما الإسلام ؟ … قالت : الدين الذي أرسل الله به محمد صلى الله عليه وسلم ، قلت لها : وهو كما حفظنا ونحن صغار (( الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، و الخلوص من الشرك )) ، قالت : إي والله ذكرتني ، لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة ! قلت لها : ما معنى (( الانقياد له بالطاعة )) ؟ سكتت قليلاً ثم قالت : أسألك بالله لماذا تتسلَّط عليَّ بهذه الصورة ، لماذا تسيء إليَّ وأنا لم أسئ إليك ؟ قلت لها : عجباً لك ، لماذا تعدّين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول؟ قالت : أنا ذكية وأفهم ما تعني ، أنت تنتقدني وتؤنبني وتتهمني ، ولكن بطريقة غير مباشرة .. قلت لها : ألست مسلمة ؟ قالت : لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك ، وأرجوك ألا تتحدث معي مرة أخرى . قلت لها : أنا متأسف جداً ، وأعدك بألا أتحدث إليك بعد هذا … ورجعتُ إلى صفحات الصحيفة التي أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنَّى فيه صاحبه على الإسلام ، ويقول : إنه دين الإرهاب ، وإن أهله يدعون إلى الإرهاب ، وقلت في نفسي : سبحان الله ، المسلمون يذبَّحون في كل مكان كما تذبح الشيِّاه ، ويقال عنهم أهل الإرهاب … وقلبتُ صفحة أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير ، وصورة لامرأة مسلمة تحمل طفلاً ، وعبارة تحت صورتها تقول : إنهم يهتكون أعراضنا ينزعون الحجاب عنَّا بالقوة وأن الموت أهون عندنا من ذلك ، ونسيت أيضاً أن مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة ، وفوجئت بها تقول : ماذا تقرأ ؟ .. ولم أتحدث إليها ، بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُقلت عنها … ساد الصمت وقتاً ليس بالقصير ، ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام … واستمر الصمت … وبعد أن تجوَّلتُ في الطائرة قليلاً رجعت إلى مقعدي ، وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلة ً : ما كنت أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة !.. قلت لها : لا أدري ما معنى القسوة عندكِ ، أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلة ً كنت أتوقع أن أسمع منك إجابة ًعنها ، إ لم تقولي إنك واثقة بنفسك ثقة ً كبيرة ؟ فلماذا تزعجك أسئلتي ؟ قالت : أشعر أنك تحتقرني .. قلت لها : من أين جاءك هذا الشعور ؟ قالت : لا أدري . قلت لها : ولكنني أدري .. لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك ، إنه الشعور بالذنب والوقوع في الخطأ ،أنت تعيشين ما يمكن أن أسمّيه بالازدواجية ، أنت تعيشين التأرجح بين حالتين … وقاطعتني بحدّة قائلة : هل أنا مريضة نفسياً ؟ ما هذا الذي تقول ؟! قلت لها : أرجو ألاَّ تغضبي ، دعيني أكمل ، أنت تعانين من ازدواجيةٍ مؤذية ، أنتِ مهزومة من الداخل ، لاشك عندي في ذلك ، وعندي أدلّة لا تستطيعين إنكارها . قالت مذعورة ً : ما هي ؟ قلت : تقولين إنك مسلمة ، والإسلام قول وعمل ، وقد ذكرت لك في أول حوارنا أن من أهم أسس الإسلام (( الانقياد لله بالطاعة )) ، فهل أنت منقادة لله بالطاعة ؟ وسكتُّ لحظة ً لأتيح لها التعليق على كلامي ، ولكنها سكتتْ ولم تنطق ببنتِ شفةٍ - كما يقولون - وفهمت أنها تريد أن تسمع ، قلت لها : هذه العباءة ، وهذا الحجاب اللذان حُشرا - مظلومَيْن - في هذه الحقيبة الصغيرة دليل على ما أقول …. قالت بغضب واضح : هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل ، المهم الجوهر . قلت لها: أين الجوهر؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة (( الإسلام )) الذي تؤمنين به ، ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر ، إن أحدهما يدلُّ على الآخر ، وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر ، اضطربت حياة الإنسان … قالت : هل يعني كلامك هذا أنَّ كل من تلبس عباءة ً وتضع على وجهها حجاباً صالحة نقية الجوهر ؟ قلت لها : كلا ، لم أقصد هذا أبداً ، ولكنَّ من تلبس العباءة والحجاب تحقِّق مطلباً شرعياً ، فإن انسجم باطنها مع ظاهرها ، كانت مسلمة حقّة ، وإن حصل العكس وقع الاضطراب في شخصيتها ، فكان نزعُ هذا الحجاب - عندما تحين لها الفرصة هيِّناً ميسوراً ، إن الجوهر هو المهم ، وأذكِّرك الآن بتلك العبارة التي نقلتها الصحيفة عن تلك المرأة الكشميرية المسلمة ، ألم تقل : إن الموت أهون عليها من نزع حجابها ؟ لماذا كان الموت أهون ؟ لأنها آمنت بالله إيماناً جعلها تنقاد له بالطاعة فتحقق معنى الإسلام تحقيقاً ينسجم فيه جوهرها مع مظهرها ،وهذا الانسجام هو الذي يجعل المسلم يحقق معنى قول الرسول عليه الصلاة السلام : (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) . إنَّ لبس العباءة والحجاب - عندك - لا يتجاوز حدود العادة والتقليد ، ولهذا كان هيّناً عليك أن تنزعيهما عنك دون تردُّد حينما ابتعدت بك الطائرة عن أجواء بلدك الذي استقيت منه العادات والتقاليد ، أما لو كان لبسك للحجاب منطلقاً من إيمانك بالله ، واعتقادك أن هذا أمر شرعي لا يفرّق بين مجتمع ومجتمع ، ولا بلدٍ وبلدٍ لما كان هيّناً عليك إلى هذه الدرجة . الازدواجية في الشخصية - يا عزيزتي - هي المشكلة .. أتدرين ما سبب هذه الازدواجية ؟ فظننت أنها ستجيب ولكنها كانت صامتةً ، وكأنها تنتظر أن أجيب أنا عن هذا السؤال.. قلت: سبب هذه الازدواجية الاستسلام للعادات والتقاليد ، وعدم مراعاة أوامر الشرع ونواهيه ، إنها تعني ضعف الرقابة الداخلية عند الإنسان ،ولهذا فإن من أسوأ نتائجها الانهزامية حيث ينهزم المسلم من الداخل ،فإذا انهزم تمكن منه هوى النفس ، وتلاعب به الشيطان ، وظلَّ كذلك حتى تنقلب في ذهنه الموازين … لم تقل شيئاً ، بل لاذت بصمت عميق ، ثم حملت حقيبتها واتجهت إلى مؤخرة الطائرة … وسألت نفسي تراها ضاقت ذرعاً بما قلت ، وتراني وُفَّقت فيما عرضت عليها ؟ لم أكن - في حقيقة الأمر - أعرف مدى التأثر بما قلت سلباً أو إيجاباً ، ولكنني كنت متأكداً من أنني قد كتمت مشاعر الغضب التي كنت أشعر بما حينما توجه إليَّ بعض العبارات الجارحة ، ودعوت لها بالهداية ، ولنفسي بالمغفرة والثبات على الحق . وعادت إلى مقعدها .. وكانت المفاجأة ، عادت وعليها عباءَتُها وحجابها … ولا تسل عن فرحتي بما رأيت ! قالت : إن رحمة الله بي هي التي هيأت لي الركوب في هذا المقعد ، صدقت - حينما وصفتني - بأنني أعاني من الهزيمة الداخلية ، إن الازدواجية التي أشرت إليها هي السمة الغالبة على كثير من نبات المسلمين وأبنائهم ، يا ويلنا من غفلتنا ! أنَّ مجتمعاتنا النسائية قد استسلمتْ للأوهام ، لا أكتمك أيها الأخ الكريم ، أن أحاديثنا في مجالسنا نحن النساء لا تكاد تتجاوز الأزياء والمجوهرات والعطورات ، والأفلام والأغاني والمجلات النسائية الهابطة ، لماذا نحن هكذا ؟ هل نحن مسلمون حقاًً ؟ هل أنا مسلمة ؟ كان سؤالك جارحاً ، ولكني أعذرك ، لقد رأيتني على حقيقة أمري ، ركبت الطائرة بحجابي ، وعندما أقلعت خلعت عني الحجاب ، كنت مقتنعة بما صنعت ، أو هكذا خُيِّل إليَّ أني مقتنعة ، بينما هذا الذي صنعته يدلُّ حقاً على الانهزامية والازدواجية ، إني أشكرك بالرغم من أنك قد ضايقتني كثيراً ، ولكنك أرشدتني ، إني أتوب إلى الله وأستغفره . ولكن أريد أن أستشيرك . قلت وأنا في روضةٍ من السرور بما أسمع من حديثها : (( نعم … تفضلي إني مصغ ٍ إليك )) . قالت : زوجي ، أخاف من زوجي . قلت : لماذا تخافين منه ، وأين زوجك ؟ قالت : سوف يستقبلني في المطار ، وسوف يراني بعباءتي وحجابي .. قلت لها : وهذا شيء سيسعده … قالت : كلا ، لقد كانت آخر وصية له في مكالمته الهاتفية بالأمس : إياك أن تنزلي إلى المطار بعباءتك لا تحرجيني أمام الناس ، إنه سيغضب بلا شك . قلت لها : إذا أرضيت الله فلا عليك أن يغضب زوجُك ، و بإمكانك أن تناقشيه هادئة فلعلَّه يستجيب ، إني أوصيك أن تعتني به عناية الذي يحب له النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة . وساد الصمت …. وشردت بذهني في صورة خيالية إلى ذلك الزوج يوصي زوجته بخلع حجابها … أهذا صحيح ؟! أيوجد رجل مسلم غيور كريم يفعل هذا ؟! لا حول ولا قوة إلا بالله ، إن مدنية هذا العصر تختلس أبناء المسلمين واحداً تلو الآخر ، ونحن عنهم غافلون ، بل ، نحن عن أنفسنا غافلون . وصلت الطائرة إلى ذلك المطار البعيد ، وانتهت مراسم هذه الرحلة الحافلة بالحوار الساخن بيني وبين جارة المقعد ، ولم أرها حين استقبلها زوجها ، بل إن صورتها وصوتها قد غاصا بعد ذلك في عالم النسيان ، كما يغوص سواها من آلاف الأشخاص والمواقف التي تمر بنا كلَّ يوم … كنت جالساً على مكتبي أقرأ كتاباً بعنوان (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) لكاتبته المسمَّاة ((منى غصوب )) وأعجبُ لهذا الخلط ، والسفسطة ، والعبث الفكري واللغوي الذي يتضمَّنه هذا الكتاب الصغير ، وأصابني - ساعتها - شعور عميق بالحزن والأسى على واقع هذه الأمة المؤلم ، وفي تلك اللحظة الكالحة جاءني أحدهم برسالة وتسلَّمتها منه بشغف ، لعلَّي كنت أودُّ - في تلك اللحظة - أن أهرب من الألم الذي أشعله في قلبي ذلك الكتاب المشؤوم الذي تريد صاحبته أن تجرد المرأة من أنوثتها تماماً ، وعندما فتحت الرسالة نظرت إلى اسم المرسل ، فقرأت : (( المرسلة أختك في الله أم محمد الداعية لك بالخير )) . أم محمد ؟ من تكون هذه ؟! وقرأت الرسالة ، وكانت المفاجأة بالنسبة إليَّ ، إنها تلك الفتاة التي دار الحوار بيني وبينها في الطائرة ، والتي غاصت قصتها في عالم النسيان ! إن أهم عبارة قرأتها في الرسالة هي قولها : (( ثم أمسكت بالقلم … وكتَبْتُ رسالةََ ً إلى (( أم محمد )) عبَّرْتُ فيها عن فرحتي برسالتها ، وبما حملته من البشرى ، وضمَّنتها أبياتاً من القصيدة التي أشارت إليها في رسالتها ، منها : ضدان يا أختاه ما اجتمعا *** دين الهدى والفسق والصَّدُّ والله مـــــا أزرى بأمـــتنا *** إلا ازدواج مــــا لــه حَــدُّ وعندما هممت بإرسال رسالتي ، تبيَّن لي أنها لم تكتب عنوانها البريديَّ ، فطويتها بين أوراقي لعلّها تصل إليها ذات يوم . لعلَّك تذكر تلك الفتاة التي جاورتك في مقعد الطائرة ذات يوم ، إِني أبشِّرك ؛ لقد عرفت طريقي إلى الخير ، وأبشرك أن زوجي قد تأثر بموقفي فهداه الله ، وتاب من كثير من المعاصي التي كان يقع فيها ، وأقول لك ، ما أروع الالتزام الواعي القائم على الفهم الصحيح لديننا العظيم ، لقد قرأت قصيدتك )) ضدان يا أختاه (( وفهمت ما تريد )) ! لا أستطيع أن أصور الآن مدى الفرحة التي حملتني على جناحيها الخافقين حينما قرأت هذه الرسالة …. ما أعظمها من بشرى ….. حينما ، ألقيت بذلك الكتاب المتهافت الذي كنت أقرؤه (( المرأة العربية وذكورية الأصالة )) ، ألقيت به وأنا أردد قول الله تعالى : { يُرِيدُونَ أن يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بَأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ } …. ضدَّان يا أختاه ..
[b]هذي العيونُ ، وذلك القَدُّ *** والشيحُ والريحان والنَّدُّ هذي المفاتنُ في تناسُقها *** ذكرى تلوح ، وعِبْرَةٌ تبدو سبحانَ من أعطَى ، أرى جسداً *** إغراؤه للنفس يحتدُّ عينانِ مارَنَتا إلى رجل *** إلا رأيتَ قُواه تَنْهَدُّ من أين أنتِ ، أأنجبتْك رُبا *** خُضرٌ ، فأنتِ الزَّهر والوردُ ؟ من أينَ أنتِ ، فإنَّ بي شغفاً *** وإليك نفسي - لهفةً - تعدو قالتْ ، وفي أجفانها كَحَلٌ *** يُغْري ، وفي كلماتها جِدُّ : عربيةٌ ، حرِّيَّتي جعلتْ *** مني فتاةً مالها نِـدُّ أغشى بقاعَ الأرض ما سَنَحَتْ *** لي فرصةٌ ، بالنفس أعتـدُّ عربيّةٌ ، فسألتُ : مسلمةٌ *** قالتْ : نعم ، ولخالقي الحمدُ فسألْتُها ، والنفسُ حائرةٌ *** والنارُ في قلبي لها وَقْدُ : من أينَ هذا الزِّيُّ ؟ ما عرفَتْ *** أرضُ الحجاز ، ولا رأتْ نجدُ هذا التبذُّلُ ، يا محدِّثتي *** سَهْمٌ من الإلحادِ مرتدُّ فتنمَّرتْ ثم انثنتْ صَلَفاً *** ولسانُها لِسِبَابِهَا عَبْدُ قالت : أنا بالنَّفسِ واثقةٌ *** حرِّيتي دون الهوى سَـدُّ فأجبتُها _ والحزن يعصفُ بي - : *** أخشى بأنْ يتناثر العقدُ ضدَّان يا أختاه ما اجتمعا *** دينُ الهدى والفسقُ والصَّدُّ والله ما أَزْرَى بأمَّتنَا *** إلا ازدواجٌ ما لَهُ حدُّ[/b]
- الكاتب:الدكتور عبدالرحمن ين صالح العشماوي
| |
|
سميرة عضو نشيط
علم الدولة : المهنة : طالبة عدد الرسائل : 3533 الدولة : الجزائر تاريخ التسجيل : 01/10/2009 نقاط : 6007
| موضوع: رد: حوار في الطائرة مع فتاة متبرجة الجمعة أغسطس 06, 2010 9:47 pm | |
| | |
|